مع ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من إباحة للكتابة، ومع ما كُتب في
عهده من الأحاديث على يدي من سُمح لهم بالكتابة – نرى الصحابة يحجمون عن الكتابة
ولا يقدمون عليها في عهد الخلافة الراشدة حرصاً منهم على سلامة القرآن الكريم
والسنة الشريفة، فنجد بينهم رضوان الله عليهم من كره كتابة السنة، ومن أباحها، ثم
ما لبث الأمر أن كثر المجيزون للكتابة، بل روي عن بعض من كره الكتابة أولاً إباحته
لها آخراً، وذلك حين زالت علة الكراهة.
روى الحاكم بسنده عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: جمع أبي
الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان خمسمائة حديث، فبات ليلة يتقلب
كثيراً... فلما أصبح قال: (أي بنية، هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا
بنار فحرقها).
وهذا عمر بن الخطاب يفكر في جمع السنة، ثم لا يلبث أن يعدل عن ذلك: (عن
عروة – بن الزبير- أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يكتب السنن فاستفتى
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأشاروا عليه بأن يكتبها، فطفق عمر يستخير
الله فيها شهراً، ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له فقال: إني كنت أريد أن أكتب
السنن، وإني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله،
وإني والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبداً)، وفي رواية عن طريق مالك بن أنس أن عمر
قال عندما عدل عن كتابة السنة: (لا كتاب مع كتاب الله).
وكان خوف عمر من إقدامه على كتابة السنة أن ينكب المسلمون على دراسة غير
القرآن ويهملوا كتاب الله عز وجل، ولذلك نرى عمر رضي الله عنه يمنع الناس من أن
يتخذوا كتاباً مع كتاب الله، وينكر إنكاراً شديداً على من نسخ كتاب (دانيال)
ويضربه ويقول له: (انطلق فامحه.. ثم لا تقرأه ولا تقرئه أحداً من الناس، فلئن
بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته أحداً من الناس لأنهكنك عقوبة)، ولهذا نراه يخطب في
الناس قائلاً: (أيها الناس، إنه قد بلغني أنه قد ظهرت في أيديكم كتب، فأحبها إلى
الله أعدلها وأقومها، فلا يبقين أحد عنده كتاب إلا أتاني به، فأرى فيه رأيي – قال-
فظنوا أنه يريد أن ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف، فأتوه بكتبهم
فأحرقها بالنار ثم قال: (أمنية كأمنية أهل الكتاب) كما أنه كتب إلى الأمصار: (من
كان عنده منها شيء فليمحه).
كل هذا يدل على خشية عمر من أن يُهمل كتاب الله أو أن يُضاهى به كتاب
غيره، ونحن نرى عمر نفسه يأبى أن يبقى رأيه مكتوباً ويأبى إلا أن يمحوه، فعندما
طُعن استدعى طبيباً، فعرف دنو أجله، فنادى ابنه قائلاً: (يا عبد الله بن عمر،
ناولني الكتف، فلو أراد الله أن يمضي ما فيه أمضاه، فقال له ابن عمر: أنا أكفيك
محوها، فقال: لا والله، لا يمحوها أحد غيري)، فمحاها عمر بيده، وكان فيها فريضة
الجد.
ونرى عمر نفسه حين يأمن حفظ القرآن، يكتب بشيء من السنة إلى بعض عماله
وأصحابه، عن أبي عثمان النهدي قال: (كنا مع عتبة بن فرقد، فكتب إليه عمر بأشياء
يحدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكان فيما كتب إليه: أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: لا يلبس الحرير في الدنيا إلا من ليس له في الآخرة منه شيء إلا
هكذا، وقال بإصبعيه السبابة والوسطى. قال أبو عثمان: فرأيت أنها أزرار الطيالسة
حين رأينا الطيالسة).
وروي عن عبد الله بن مسعود كراهيته لكتابة الحديث الشريف: عن عبد الرحمن
بن الأسود عن أبيه قال: (جاء علقمة بكتاب من مكة أو اليمن، صحيفة فيها أحاديث في
أهل البيت: بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذن على عبد الله، فدخلنا عليه،
قال: فدفعنا إليه الصحيفة، قال: فدعا الجارية، ثم دعا بطست فيه ماء، فقلنا له: يا
أبا عبد الرحمن، انظر فيها، فإن فيها أحاديث حساناً، قال: فجعل يميثها فيها ويقول:
﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ
بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ﴾ [يوسف: 3]، القلوب أوعية،
فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بما سواه.
إلا هناك رواية تنص على أن ما في الصحيفة كان من كلام أبي الدرداء وقصصه،
وفي رواية قال أحد الرواة: (يرى أن هذه الصحيفة أُخذت من أهل الكتاب، فلهذا كره
عبد الله النظر فيها)، ولا يمكننا أن نجزم بأن ما في تلك الصحيفة كان من القصص أو
مما أُخذ عن أهل الكتاب لأنه ثبت عن الأسود بن هلال أنه قال: (أتى عبد الله بصحيفة
فيها حديث، فدعا بماء فمحاها، ثم غسلها، ثم أمر بها فأحرقت، ثم قال: اذكر الله
رجلاً يعلمها عند أحد إلا أعلمني به، والله لو أعلم أنها بدير هند لبلغتها، بهذا أُهلك
أهل الكتاب قبلكم حين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون)، إن تصرف ابن
مسعود يدل على أنه خشي أن يشتغل الناس بكتابة السنة ويدعوا القرآن، أو أن يشتغلوا
بغير القرآن الكريم، ونراه يكتب بعض السنة بيده حين زالت علة المنع، فعن مسعر عن
معن قال: (أخرج إلي عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود كتاباً وحلف لي أنه خط أبيه
بيده).
وهذا علي رضي الله عنه يخطب في الناس قائلاً: (أعزم على كل من كان عنده
كتاب إلا رجع فمحاه، فإنما هلك الناس حيث اتبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب
ربهم).
وأبى زيد بن ثابت أن يكتب عنه مروان بن الحكم وقال: (لعل كل شيء حدثتكم به
ليس كما حدثتكم)، وفي رواية قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا ألا نكتب
شيئاً من حديثه).
وكذلك أبى أبو هريرة أن يكتب عنه كاتب مروان بن الحكم، وكان أحياناً يقول:
إن أبا هريرة لا يكتم ولا يكتب، وفي رواية: (نحن لا نكتب ولا نكتب).
وقال ابن عباس: (إنا لا نكتب العلم ولا نكتبه)، وعن سعيد بن جبير عن ابن
عباس رضي الله عنهما كان ينهى عن كتابة العلم وقال: (إنما ضل من كان قبلكم
بالكتب).
وقد تمسك أبو سعيد الخدري بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه
في النهي عن كتابة غير القرآن. وأبى أن يكتب أبا نضرة حين قال له هذا: ألا تكتبنا
فإنا لا نحفظ؟ فقال أبو سعيد: لا إنا لن نكتبكم، ولن نجعله قرآناً، ولكن احفظوا
عنا كما حفظنا نحن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويروى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه كان يكره كتابة الحديث، وروي
عن سعيد بن جبير أنه قال: (كنا نختلف في أشياء فنكتبها في كتاب، ثم أتيت بها ابن
عمر أسأله عنها خفياً، فلو علم بها كانت الفيصل بيني وبينه).
وكره أبو موسى أن يكتب ابنه عنه مخافة أن يزيد أو ينقص، ومحا ما كتبه
بالماء، وفي رواية قال: (احفظوا عنا كما حفظنا)، وفي رواية عنه أنه قال: (إن بني
إسرائيل كتبوا كتاباً واتبعوه. وتركوا التوراة).
هؤلاء معظم الذين كرهوا كتابة الحديث في الصدر الأول، حاولت أن أثبت رأي
كل منهم إلى جانب وجهة نظره فيما ذهب إليه من المنع والكراهة لأتمكن من استنتاج
أسباب هذه الكراهة، فوجدت كما قال الخطيب البغدادي: (أن كراهة الكتاب في الصدر
الأول إنما هي لئلا يضاهى بكتاب الله تعالى غيره، أو يشتغل عن القرآن بسواه، ونهى
عن الكتب القديمة أن تُتخذ لأنه لا يُعرف حقها من باطلها، وصحيحها من فاسدها، مع
أن القرآن كفى منها وصار مهيمناً عليها، ونهى عن كتب العلم في صدر الإسلام
وجِدّتِه لقلة الفقهاء في ذلك الوقت والمميزين بين الوحي وغيره، لأن أكثر الأعراب
لم يكونوا فقهوا في الدين ولا جالسوا العلماء العارفين، فلم يؤمَن أن يُلحقوا ما
يجدون من الصحف بالقرآن، ويعتقدوا أن ما اشتملت عليه كلام الرحمن)، أضف إلى هذا
ورع الصحابة وخشيتهم من أن يكون ما يملونه أو يقيدونه غير ما سمعوه من الرسول عليه
الصلاة والسلام.
من أجل هذا أولى الصحابة رضوان الله عليهم كتاب الله عز وجل في هذه الحقبة
عناية الحفظ في الصحف والمصاحف وفي الصدور، وجمعوه في عهد الصديق، ونسخوه في عهد
عثمان، وبعثوا به إلى الآفاق ليضمنوا حفظ المصدر التشريعي الأول من أن تشوبه أية
شائبة، ثم حافظوا على السنة بدراستها ومذاكرتها وكتابتها أحياناً عند زوال مانع
الكراهة، وقد ثبت عن كثير من الصحابة الحث على كتابة الحديث وإجازة تدوينه.
ولا نشك في هذه الأخبار كما شك غيرنا لأننا لا نرى فيها ذلك التعارض الذي
تصوره بعض المستشرقين حتى استجازوا لأنفسهم أن يحكموا على بعضها بالوضع والاختلاق،
وسنوجز فيما يلي بعض ما روي عن الصحابة من إجازة تقييد الحديث ليتبين صحة ما ذهبنا
إليه.
وقبل أن أتناول هذه الأخبار لا بد لي من أن أقلب النظر فيما روي عن محاولة
عمر رضي الله عنه جمع السنة وتدوينها كما جمع القرآن الكريم، ثم عدوله عن ذلك
خوفاً من أن يلتبس الكتاب بالسنة، وخشية ألا يميز المسلمون الجدد بينهما. أقول: إن
محاولته هذه تدل على اقتناعه بجواز كتابة الحديث الشريف، وهذا ما انتهى به أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النهي عن الكتابة، ولو شك عمر رضي الله عنه في
الجواز – ما هم بأن يفعل ما منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كرهه، فإحجام
الفاروق لم يكن لكراهة الكتابة بل لمانع يقتضي أن يتريث في التدوين والجمع لمصلحة
أخطر وأعظم، ولذلك رأيناه يكتب بنفسه لمن يأمن عليه اللبس ويثق به، وربما سمح عمر
رضي الله عنه بالكتابة بعد أن رأى حفظ الأمة لكتاب الله تعالى بجمعه في المصحف
الشريف، ويقوي هذا ما يروى عن عمرو بن أبي سفيان من أنه سمع عمر بن الخطاب يقول:
(قيدوا العلم بالكتاب).
ثم إن بعض الصحابة أنفسهم قد أجاز الكتابة، وكتب بعضهم بيده، وتغير رأي من
عرف منهم النهي عن كتابة الحديث حينما زالت أسباب المنع وخاصة بعد أن جُمع القرآن
في المصاحف وأُرسل إلى الآفاق.
ولا ينقض هذا الرأي الذي ذهبنا إليه – ما روي عن أنس بن مالك أن أبا بكر
الصديق كتب له فرائض الصدقة التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن هذا كان
قبل نسخ المصاحف، لأننا لم نجعل الخشية من التباس الكتاب بالسنة السبب الوحيد لمنع
الكتابة، بل هناك أسباب أخرى قد ذكرتها فيما سبق، ثم إن أنساً رضي الله عنه ممن لا
يلتبس عليه ذلك لأنه خدم رسول الله عليه الصلاة والسلام وعرفه وتلقى عنه عشر
سنوات، وعلى هذا نقول: إنه ثبت عن أبي بكر كتابة شيء من السنة، وكذلك ثبت عن
الفاروق مثل ذلك.
وهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: (ما كنا نكتب في عهد رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلا الاستخارة والتشهد) فهذا دليل على كتابة الصحابة غير
القرآن الكريم في عهده صلى الله عليه وسلم، وعلى عدم كراهة ابن مسعود للكتابة، وقد
روينا خبر الكتاب الذي كان عند ابنه بخط يده.
وروي عن علي رضي الله عنه أنه كان يحض على طلب العلم وكتابته، فقد قال:
(من يشتري مني علماً بدرهم؟ قال أبو خيثمة: يقول: يشتري صحيفة بدرهم يكتب فيها
العلم)، وخبر صحيفة علي رضي الله عنه مشهور، وقد كانت معلقة في سيفه، فيها أسنان
الإبل وشيء من الجراحات..
وهذا الحسن بن علي رضي الله عنهما يقول لبنيه وبني أخيه: (تعلموا تعلموا،
فإنكم صغار قوم اليوم، تكونون كبارهم غداً، فمن لم يحفظ منكم فليكتب، وفي رواية:
(فليكتبه وليضعه في بيته).
وهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول لابن أختها عروة بن الزبير:
(يا بني بلغني أنك تكتب عني الحديث ثم تعود فتكتبه، فقال لها: أسمعه منك على شيء
ثم أعود فأسمعه على غيره، فقالت: هل تسمع في المعنى خلافاً؟ قال: لا، قالت: لا بأس
بذلك)، فلو كرهت عائشة رضوان الله عليها الكتابة لمنعته ونهته، ولكنه لم يحدث شيء
من هذا، بل لم تر بأساً بعمله.
وهذا أبو هريرة رضي الله عنه يسمح لبشير بن نَهيك أن يكتب عنه، ويجيزه
بالرواية عنه، وفي رواية يقول بشير: (أتيت أبا هريرة بكتابي الذي كتبته فقرأته
عليه فقلت: هذا سمعته منك؟ قال: نعم)، وروى عمرو بن أمية الضمري أنه رأى كتباً
كثيرة عند أبي هريرة.
وكتب معاوية بن أبي سفيان إلى المغيرة بن شعبة: (اكتب إلي بشيء سمعته من
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب المغيرة إليه: أنه كان ينهى عن قيل وقال،
وكثرة السؤال، وإضاعة المال).
وكتب زياد بن أبي سفيان إلى السيدة عائشة رضي الله عنها يسألها عن الحاج
الذي يرسل هديه، وهل يحرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر كما أفتى ابن عباس؟
فأجابته عن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: (فلم يحرم رسول الله صلى الله
عليه وسلم شيئاً أحله الله له حتى نحر الهدي).
وهذا ابن عباس يسأل أبا رافع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه من
يكتب له، وفي رواية أنه كانت معه ألواح يكتب فيها، وكان ابن عباس يحض على التعلم
والكتابة ويقول: (قيدوا العلم بالكتاب، من يشتري مني علماً بدرهم؟)، وكان يقول
أحياناً: (إنا لا نكتب في الصحف إلا الرسائل والقرآن)، إلا أننا نرى ابن عباس نفسه
يكتب غير الرسائل، فيملي التفسير على مجاهد بن جبير ويقول له: اكتب، ويكتب إليه الحجاج
أمير العراق يستفتيه في رجل أكره أخته، فيكتب إليه بحديث عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم.
وسبق لي أن ذكرت كتابة عبد الله بن عمرو بن العاص، وسنتكلم عن صحيفته بعد
قليل.
وهذا أبو سعيد الخدري الصحابي الجليل الذي روى عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم حديث: «.. من كتب عني غير القرآن فليمحه» يقول: (كنا لا نكتب إلا القرآن
والتشهد).
وكان البراء بن عازب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدِّث ويكتب من
حوله، فعن عبد الله بن خنيس قال: (رأيتهم عند البراء يكتبون على أيديهم بالقصب).
وهذا وَرّاد كاتب المغيرة بن شعبة يكتب بين يدي المغيرة.
ويروى عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان لا يخرج من بيته غدوة حتى ينظر في
كتبه.
وهذا أنس رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وملازمه في بيته
ليلاً ونهاراً عشر سنوات، كان يقول لبنيه: (يا بني قيدوا العلم بالكتاب)، وكان
يملي الحديث حتى إذا ما كثر عليه الناس جاء بِمَجالّ من كتب، فألقاها ثم قال: (هذه
أحاديث سمعتها وكتبتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرضتها عليه).
تلك أخبار متعاضدة تثبت أن الصحابة رضوان الله عليهم قد أباحوا الكتابة
وكتبوا الحديث لأنفسهم، وكتب طلابهم بين أيديهم، وأصبحوا يتواصون بكتابة الحديث
وحفظه كما ثبت ذلك عن علي رضي الله عنه وعن ابن عباس وعن الحسن وأنس بن مالك رضي
الله عنهم، بعد أن كرهها بعض الصحابة عندما كانت أسباب المنع قائمة.
ويتجلى لنا رجوع بعض من كره الكتابة عن رأيه مما رويناه عن ابن مسعود وعن
أبي سعيد الخدري إذ بعد أن كانوا يكرهون أن يكتبوا في الصحف غير القرآن كتبوا
الاستخارة والتشهد، وفي هذا دليل واضح على أن النهي عن كتب ما سوى القرآن إنما كان
مخافة أن يضاهى بكتاب الله تعالى غيره، وأن يشتغل عن القرآن بسواه، ويقول الخطيب
البغدادي: (فلما أُمن ذلك ودعت الحاجة إلى كتب العلم – لم يكره كتبه، كما لم تكره
الصحابة كتب التشهد، ولا فرق بين التشهد وبين غيره من العلوم في أن الجميع ليس
بقرآن، ولن يكون كتب الصحابة ما كتبوه من العلم وأمروا بكتبه إلا احتياطاً، كما
كان كراهيتهم لكتبه احتياطاً، والله أعلم).
-
الوجيز في علوم الحديث: د. محمد الخطيب.
-
انظر: قواعد التحديث من علوم الحديث: الشيخ جمال الدين
القاسمي.
-
مقدمة ابن الصلاح: الإمام ابن الصلاح.
طباعة
ارسال