إن
إلزام النفس بشيء مَّا في بداية الأمر يكون صعباً عليها، ومن الأشياء التي لا تميل
النفس للالتزام بها: الحفظ، فإن كثير من الطلاب
ينفرون من الدروس أو التخصُّصات التي يكثر فيها الحفظ، مع العلم أن الذهنَ
إذا عوَّدَه الإنسان على الحفظ اعتاد وتمرَّن، وأصبح محبباً لديه.
فمن
القواعد المهمة في حفظ القرآن الكريم:
أن
تُلزم النفس بالحفظ اليومي: بأن تخصص قدراً لا تنقص عنه، فإذا واظفتَ على ذلك
أياماً، وطردتّض وساوس الشيطان، ودواعيَ الكسل فإنك ستتروَّض على عملية الحفظ،
ويُصبح الحفظُ، جزءاً من حياتك اليومية كالطعام والشراب.
قال
الزهريُّ: إن الرجل ليطلبُ [أي العلم والحفظ] وقلبه شعبٌ من الشَّعاب، ثم لا يلبثُ
أن يصير وادياً لا يوضع فيه شيء إلا التهمة.
أي:
إن الرجل في بداية طلبه للعلم تكون ذاكرته ضيَّقة المدارك، لم تتمرَّس بعد على
الحفظ، فإذا تدرَّبَ على الحفظ والقراءة والاطلاع والاجتهاد اتسعتْ مداركه، وأصبح
الحفظ سجيَّةً له، فيصير قلبه يلتهمُ العلمَ التهاماً كالوادي يلتهمُ كلَّ شيءٍ.
وقال
أبو السمح الطائي: كنت أسمع عمومتي في المجلس يُنشدون الشعر،فإذا استعدُّهم زجروني
وسبُّوني وقالوا: تسمع شيئا ولا تحفظه..! قال الشيخ: وكان الحفظ يتعذَّرُ عليَّ
حين ابتدأت أرُومه، ثمَّ عوَّدتُّه نفسي إلى أن حفظتُ قصيدة رُؤَبة: وقاتم الأعماق
خاوي المخترق.... في ليلة واحدة، وهي قريب من مائتي بيتٍ.
فينبغي
عليك – أخي المسلم – أن تفرَّغ وقتاً للحفظ يومياً مهما كان هذا الوقت يسيراً؛ فإن
تواليَ نقطة الماء على الصخرة يُحدثُ فيها حفرة.
قال
أبو هلال العسكريّ: كان أحمد بن الفرات لا يترك كلَّ يوم إذ1 أصبح أن يحفظ شيئاً
وإن قلَّ.
وقال
بعضهم: كنتُ أحضر مجلسَ الشيخ يوم الجمعة بالغداة من غير أن يكون درسٌ لئلا أنقصَ
عادتي من الحضور.
ومن
تنظيم عملية الحفظ:
أن
تُريح نفسك يوماً أو يومين في الأسبوع، فلا تحفظ فيهما؛ فذلك أنشط للذاكرة، وأعونُ
على الحفظ الثابت إن شاء الله.
قال
ابن الجوزيّ: وينبغي أن يريحَ نفسه من الحفظ في الأسبوع يوماً أو يومين ليكون ذلك
كالبناء الذي يُراحُ ليستقرَّ.
ومن
تنظيم عملية الحفظ:
أن
تُحدَّد لنفسك جزءاً معيناً، تحفظه في مدَّةٍ محدّدة، ثم ترتاح بعدها أياماً ثم
تعود للحفظ مرةً أخرى، ويفضَّل أن يكون ذلك باستشارة الشيخ وتحت إشرافه، لا تبعاً
لهوى النفسِ ورغباتها.
قال
الخطيب البغداديّ: وينبغي أن يجعل لنفسه مقداراً كلما بلغه وقفَ وقفته أياماً لا
يزيدُ تعلُّماً؛ فإن ذلك بمنزلة البنيان: ألآ ترى أن من أراد أن يستجيدَ البناء
بنى أذرعاً، ثم ترك حتى يستقرّ ، ثم يبني فوقه؟
ولو
بنى البناء كلَّه في يومٍ واحد، لم يكن بالذي يُستجادُ، وربّما انهدم بسرعة...
فكذلك المتعلم ينبغي أن يجعل لنفسه حدَّاً كلما انتهى إليه وقف عنده حتى يستقرَّ
ما في قلبه، فإذا اشتهى التعلُّم بنشاطٍ عاد إليه، وإن اشتهاه بغير نشاط لم يعرضْ
له.
ومن
تنظيم عملية الحفظ:
أن
لا تحفظَ وقت الملل والضجرِ، بل إذا أحسست بالملل عليك أن تترك الحفظ وتلتفتَ إلى
ما تستصلحُ به نفسك، فلتأخذ نصيباً من الراحة واللذة المباحة، أو اقرأ شيئاً من
الحكاياتِ والنوادر والأشعار؛ فإن فيها فائدةً وحكمةً، وربما يذهبُ من خلالها
المللُ عن نفسك.
* أهم المصادر والمراجع:
- علم التجويد: د. يحيى الغوثاني.
- كيف تقرأ القرآن: د. يحيى غوثاني.
طباعة
ارسال