التعريف بـ"النية":
قال الإمام النووي: النية القصد، وهي عزيمة القلب.
وقال البيضاوي: النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقًا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر، حالًا أو مآلًا، والشرع خصصه بالإرادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضاء الله وامتثال حكمه[1].
ولو رجعنا إلى السيرة النبوية لوجدنا فيها ما يبين لنا ذلك بوضوح وجلاء.
هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة من أجل إقامة شعائر دينهم وامتثالًا لأمر رسولهم صلى الله عليه وسلم. ولكن رجلًا واحدًا هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة وإنما ليتزوج امرأة تسمى أم قيس[2]. فكان يقال له مهاجر أم قيس.
ويأتي الحديث الشريف تعقيبًا على ذلك مبينًا قِيم الأعمال.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يا أيها الناس، إنما الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى:
فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله.
ومن هاجر إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه"[3].
وحديثه صلى الله عليه وسلم في هذه المناسبة بيان عملي يقوم على أرض الواقع، ويشرح من خلاله المعنى الكبير والأصل العظيم من مفاهيم هذا الدين.
هناك مهاجران، كل منهما ترك بلده وأرضه التي نشأ فيها، وأهله ومحبيه وجيرانه، وقطع المسافة بين مكة والمدينة في ظروف صعبة، ثم استقر في المدينة.
• ولكن الأول فعل ذلك بدافع إقامة شعائر الله تعالى.
• وفعل الثاني ذلك بدافع الوصول إلى امرأة يتزوجها.
فالعمل الذي قام به الرجلان واحد.
ولكن الباعث والدافع مختلف.
هذا الدافع والباعث هو ما سماه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "النية".
فالنية لدى الأول متفقة مع العمل الذي قام به. فكان مهاجرًا بحق.
بينما كانت النية لدى الآخر غير متطابقة مع ما شرعت الهجرة له، فلم يكن له من فضل الهجرة ومكانتها شيء.
وإذا فهمنا المعنى الذي أوضحه الحديث فلا يهمنا بعد ذلك أمر التعريفات.
[1] فتح الباري (1/ 13).
[2] فتح الباري (1/ 10) وقال: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
[3] متفق عليه (خ 6953، م 1907).
طباعة
ارسال