اختيار الإمامة مبني على الأفضلية
صفات القائم بالإمامة مما سبق يتبين لنا أن الإمام معلم وواعظ ومصلح، يربي عقولا، ويبنى نفوسا ويغرس قيما وأخلاقا حميدة، ولذا فإن عمله ليس محصورا بإمامة الناس في الصلاة فقط، وإن كان هذا من أهم الأعمال وأعظمها، وهذه الشمولية في العمل هي التي تضفي على الإمامة طابعا مميزا، وتعطي صاحب هذه المهمة قدرا عظيما، ومركزا مرموقا، ومنزلة عالية، ولكن هل نطالب جميع الأئمة بهذا القدر العظيم من الصفات؟ وهل يستطيع كل إمام يؤمن الناس أو نرشحه لهذا العمل أن يكون بهذا المستوى؟ لا شك أن كل غيور على دين الله، ومشفق على إخوانه، يتمنى أن يكون كل إمام على هذا المستوى الرفيع من العلم، والفقه في الدين، والقدرات المتعددة، والمواهب المتنوعة التي تمكن الإمام من القيام بهذا العمل على أحسن وجه، وتتيح له فرص التأثير في الناس، وكسب قلوبهم فيعم الخير، ويضمحل الجهل والفساد.
غير أنه ليس من الممكن أن يتحقق هذا، ولو حرصنا عليه، ولا أعتقد أن كل إمام يستطيع القيام بالإمامة على النحو الذي أسلفنا، ومن المقرر أن اختيار الإمامة مبني على الأفضلية، حيث قال عليه الصلاة والسلام: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا» .
وهذا التوجيه النبوي الكريم فيه يسر ظاهر؛ لأنه يختلف تماما عن قول القائل يجب أن يكون الإمام حافظا، قارئا، عالما. . . الخ، لأن أقرأ القوم قد لا يكون كذلك، وهذا هو الغالب، وعندما ساق أبو يعلى الفراء الصفات المعتبرة في تقليد الإمام وهي أن يكون رجلا عدلا، قارئا، فقيها، سليم اللفظ من نقص أو لثغ بين رحمه الله: أن أقل ما على هذا الإمام من القراءة والفقه أن يكون حافظا لأم القرآن، عالما بأحكام الصلاة؛ لأنه القدر المستحق فيه، ثم قال ولأن يكون حافظا لجميع القرآن، عالما بجميع الأحكام أولى.
طباعة
ارسال