ومعناه لغة: الخطأ المستتر غير الظاهر.
ومعناه اصطلاحا: الخطأ المتعلق بعرف القراءة (أي أحكام التجويد ولا يدركه إلا علماء التجويد دون عامة الناس).
تسميته: سمي خفيا لاختصاص علماء القراءة بمعرفته دون غيرهم.
وهو في خفائه ينقسم إلي نوعين:
1) نوع يدركه (عامة القراء) ولا يدركه عامة الناس. كترك حكم من أحكام التلاوة كالإدغام والإخفاء والإظهار والمد والغنة وخلافه.
2) نوع لا يدركه إلا المهرة المتقنون الضابطون المجودون الذين أخذوا من أفواه الأئمة نحو تكرير الراءات، وتغليظ اللامات والتهاون في ضبط المدود إلى غير ذلك مما سيأتي ذكره في مواضعه بإذن الله تعالى. وهذا النوع من اللحن الخفي وإن كان غير مخل بالمعنى ولا مقصر باللفظ إلا أنه- كما يقول ابن الجزري:
خلل يدخل على اللفظ فيؤدي إلى فساد رونقه ويذهب بحسنه وطلاوته من حيث يجري في اللسان مجرى «الرتّة» أي (العجمة) أو اللّثغة.
يقول ابن الجزري في النشر: (ولا شك أن هذه الأمة كما هم متعبدون بتفهم معاني القرآن، وإقامة حدوده، متعبدون بتصحيح ألفاظه، وإقامة حروفه على الصيغة المتلقاة من أئمة القراءة المتصلة بالحضرة النبوية الأفصحية العربية التي لا تجوز مخالفتها ولا العدول عنها إلى غيرها).
وقد بين في كتابه (التمهيد) ما يستفاد من تهذيب الألفاظ وتقويم اللسان بالبعد عن اللحن فقال: «اعلم أن المستفاد بذلك حصول التدبر لمعاني كتاب الله، والتفكر في غوامضه، والتبحر في مقاصده، وتحقيق مراده .... وذلك أن الألفاظ إذا أجليت على الأسماع في أحسن معارضها وأجلى جهات النطق بها، حسبما حث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «زينوا القرآن بأصواتكم» كان تلقي القلوب، وإقبال النفوس عليها بمقتضى زيادتها في الحلاوة، والحسن على ما لم يبلغ ذلك المبلغ منها».
حكمه: النوع الأول: وهو ترك شيء من أساسيات قواعد التجويد كالإظهار والإدغام وغيرهما حكمه التحريم على الأرجح لأنه قد انتفت معه صحة القراءة.
النوع الثاني: ويختص بكمال إتقان النطق لا بتصحيحه، وضبط مقادير المدود ووزنها بأدق الموازين، ومراعاة المعاني الخفية في الوقوف، مما لا يدركه إلا أهل الفن الحذاق المهرة فهو أخف حكما ويعتبر في عرف المجودين مخلا بالإتقان وحكمه الكراهة إلا إذا تعمده القارئ.
وقد صنف العلماء الناس الذين يقرءون كتاب الله ثلاثة أصناف:
الأول: قارئ محسن مأجور: وهو الذي أتقن فنّ التجويد بغير لحن جلي ولا خفي فهذا هو الماهر بالقرآن الذي وعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه مع السفرة الكرام البررة.
الثاني: قارئ مسيء آثم: وهو القادر على دراسة علم التجويد والإلمام بقواعده وتطبيق تلك القواعد عمليا في قراءته. وقد يملك كل ما يعينه على ذلك من سلامة جهاز النطق وخلوه من العيوب والعاهات الخلقية ولكنه رغم ذلك متهاون متواكل متكاسل يتّكل على ما ألف من حفظه مستعينا بنفسه مستبدا برأيه مستكبرا عن الرجوع إلى عالم يوقفه على صحيح لفظه.
الثالث: قارئ مسيء معذور: ومنه مثلا من كان في مكان لا يوجد به عالم بالتجويد ولا معلم كالمغترب النائي ببلد يندر فيها أن يجد من يعلمه (وإن كانت الدول الأجنبية تعج الآن بالعديد من المراكز الإسلامية ودور التحفيظ لشتى طوائف المسلمين) أو أن يكون القارئ بلسانه عوج أو عيب خلقي يحول بينه وبين النطق السليم وإخراج الحروف من مخارجها الصحيحة. فهذا قارئ معذور غير آثم لأنه رغم ذلك العيب يدرس ويجاهد لتصويب قراءته فهو في ذلك ليس معذورا فحسب بل هو أيضا مأجور ضعف أجر القارئ المعافى في نطقه ومخارج حروفه. لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي يقرأ القرآن وهو يتعتع فيه، وهو عليه شاق له أجران».
* المصدر: الميزان في أحكام تجويد القرآن: فريال زكريا العبد.
طباعة
ارسال