لقد عنيت السنة المطهرة بالأخلاق عناية عظيمة يتضح ذلك من خلال أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم فهي توضح مكانة الخلق في الشريعة الإسلامية حاثةً على التمسك به.
ولما للخلق الحسن من مكانة عظيمة جعله رسول الهدى صلى الله عليه وسلم أفضل شيء في ميزان العبد يوم القيامة بل درجته توازي الصائم المصلي وفي المقابل أخبر أن الله يكره الخلق غير السوي كالفحش والبذاءة لأنها أخلاق لا تليق بمؤمن يسجد لله ويرجو الله. إذ من لوازم الإيمان التحلي بالأخلاق الكريمة والصفات النبيلة التي يحبها الله.
قال – عليه الصلاة والسلام -: "ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق وأن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة".
وقال – عليه الصلاة والسلام -: "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق وإن الله يبغض الفاحش البذيء".
وقال – عليه الصلاة والسلام -: "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم".
(أي قائم الليل في الطاعة وإنما أعطى صاحب الخلق الحسن هذا الفضل لأن الصائم والمصلي في الليل يجاهدان أنفسهما في مخالفة حظهما، وأما من يحسن خلقه مع الناس مع تباين طبائعهم وأخلاقهم فكأنه يجاهد نفوسًا كثيرة فأدرك ما أدركه الصائم القائم فاستويا في الدرجة بل ربما زاد) وفي رواية:"إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجات قائم الليل وصائم النهار".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن المسلم المسدد ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله بحسن خلقه وكرم طبيعته".
بل إن خير ما أعطي الإنسان خلق حسن أدبه في التعامل مع الآخرين مما يكون محصلته التفاهم المبني على الود والمحبة بين أبناء جنسه وهذا في حد ذاته يسعد النفس ويفرحها ويبني لها جسرًا من العلاقة الطيبة، عند ذلك تتحقق لها تلك الخيرية التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم حين سئل: ما خير ما أُعطي الإنسان؟ قال: "خلق حسن".
وقال عبد الله بن عمر (أربع خلال إذا أعطيتهن فلا يضرك ما عزل عنك من الدنيا :حسن خلق، وعفاف طعمه، وصدق حديث، وحفظ أمانة).
بل نجد أن خيرية المرء وكمال إيمانه تكمن في إحسانه إلى الخلق والزوجة.
وإن (من المقاييس التي نبه الرسول صلى الله عليه وسلم لمعرفة خيار القوم معاملة الرجل لنسائه فمن كانت معاملته للنساء حسنة كان من خير القوم ومن لم تكن معاملته كذلك لم يكن من خيارهم بل إما أن يكون من حشو الناس، وإما أن يكون من شرارهم).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وخياركم خياركم لنسائهم". وقال: "إن خياركم أحسنكم أخلاقًا"
وقال حينما سئل عن أي المؤمنين أكمل إيمانًا؟ "أحسنهم خلقًا".
فضل عظيم وطريق مستقيم أن يسعى المرء في استكمال الإيمان وجعله في الذروة بالتعامل الحسن مع الخلق.
وإن من الأمور الجامعة للأخلاق ما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما سأله نواس بن سمعان رضي الله عنه قال: فسألته عن البر والإثم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس".
قال العلماء: (البر يكون بمعنى الصلة وبمعنى اللطف، وبمعنى الطاعة، وهذه الأمور هي مجامع حسن الخلق، ومعنى حاك في صدرك أي تحرك فيه وتردد ولم ينشرح له الصدر وحصل في القلب منه الشك والخوف كونه ذنبًا).
والمؤمن بعيد عن الشر لا يبحث عنه لكرم خلقه وحسن عشرته وطيب سجاياه بعكس الفاجر فهو للشر باحث لا يحسن العشرة ولا يقيل العثرة.
قال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن غر كريم ، والفاجر خب لئيم".
(ومعنى هذا الكلام: أن المؤمن المحمود هو من كان طبعه وشيمته الغرارة وقلة الفطنة للشر وترك البحث عنه وإن ذلك ليس منه جهلًا لكنه كرم وحسن خلق، وإن الفاجر من كانت عادته الخب والدهاء والوغول في معرفة الشر وليس ذلك منه عقلًا لكنه خب ولؤم).
وإن المؤمن لا يستطيع أن يسع الناس بماله مهما بلغ ولكن بسط الوجه والبشاشة والأخلاق الحسنة مقدور عليها لمن وفقه الله: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق".
بل نجد أن الخلق الحسن له مكانة عظيمة إذا عمل به المرء حيث يرفعه إلى مرتبة عظيمة وهي محبة الله له فيا له من شرف عظيم وكرم جزيل يعطيه الله لذلك العبد العامل بتلك السجايا الكريمة.
عن أسامة بن شريك قال: كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير ما يتكلم منا متكلم إذ جاءه أناس فقالوا: من أحب عباد الله إلى الله تعالى؟ قال: "أحسنهم خلقًا".
حتى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يحبه ويكون قريبًا من مجلسه يوم القيامة يا له من شرف عظيم أن يحبك الرسول الكريم ويقربك من مجلسه.
عن عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة فأعادها مرتين أو ثلاثا". قالوا: نعم يا رسول الله. قال: "أحسنكم خلقًا". وفي المقابل قال – عليه الصلاة والسلام – محذرًا من الخلق السيئ: "وإنما أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة مساويكم أخلاقًا – الثرثارون، المتفيهقون، المتشدقون".
وإن من موجبات الغفران ودخول الجنان والصعود إلى أعلى الدرجات هناك في الآخرة عند مقابلة الرحمن العمل بالتقوى وتحسين الأخلاق وإن من موجبات الخذلان والدنو في الدرجات البعد عن التقوى وترك تحسين الأخلاق.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: "تقوى الله وحسن الخلق" وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: "الفم والفرج".
وقد اعتنى الإسلام بالأخلاق وحث عليها وجعلها من المعالي وبغض إلى أتباعه سفاسف الأمور لأن المؤمن بإيمانه يعلو ويشمخ وإن من العلو عن السفاسف التخلق بالأخلاق العظيمة التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "إن الله كريم يحب الكرم ومعالي الأخلاق ويكره سفاسفها".
وقال:"إن الله تعالى كريم يحب الكرماء جواد يحب الجود ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها".
والسفساف الأمر الحقير والردئ من كل شيء ضد المعالي والمكارم.
فليكن المؤمن حريصًا على اكتساب الخلق الحسن مجاهدًا نفسه ومروضًا لها حتى يصبح لها سجية وعليه أن يردد دعاء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
"اللهم اهدني لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت".
وقوله: "اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي".
وقوله: "اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء".
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
* موقع إسلام ويب.
طباعة
ارسال