وهذا علم مهم جدا وهو مما يفتقر إليه علماء الحديث وحفاظه في تصرفاتهم ومصنفاتهم وتترتب على العلم به فوائد مهمة:
1- منها معرفة شيخ الراوي فربما اشتبه بغيره فإذا عرفنا بلده تعين بلديه غالبا.
2- ومنها: أنه يتبين به الراوي المدلس، وما في السند من إرسال خفي.
وقد كانت العرب إنما تنتسب إلى قبائلها فلما جاء الإسلام، وغلب عليهم سكنى القرى والمدن انتسبوا إلى القرى والمدن كالعجم، والمراد متأخروهم وإلا فقد كان في المتقدمين من ينتسب إلى القبائل كثيرا.
ثم من كان ناقلة من بلد إلى بلد وأراد الانتساب إليهما فليبدأ بالأول فيقول في فيمن انتقل من مصر إلى دمشق: المصري الدمشقي، والأحسن: ثم الدمشقي، لدلالة "ثم" على الترتيب مع التراخي، وله أن ينتسب إلى أحدهما فقط, وهو قليل ومن كان من أهل قرية من قرى بلدة فجائز أن ينتسب إلى القرية وإلى البلدة أيضا، وإلى الناحية التي فيها تلك البلدة أيضا وإلى الإقليم, فيقول فيمن هو من قرية "داريا" من قرى مدينة دمشق التي هي من إقليم الشام: الداري، أو الدمشقي، أو الشامي.
وإن أراد الجمع بين الثلاثة فهو مخير بين الابتداء بالأعم فيقول: الشامي الدمشقي الداري، أو بالقرية التي هو منها فيقول: الداري الدمشقي الشامي إذ المقصود التعريف والتميز, وهو حاصل بكل منها نعم إن كان أحدهما أوضح في ذلك فهو أولى، وكذلك في النسب إلى القبائل يبدأ بالعام قبل الخاص, فيقال القرشي الهاشمي ولا يقول العكس؛ لأنه لا فائدة حينئذ، وإذا جمع بين النسب إلى القبيلة والبلد قدم النسب إلى القبيلة وقد تقع النسبة إلى الصنايع كالخياط، وإلى الحرف كالبزاز الذي يتجر في البز وهي الثياب، وتقع ألقابا كخالد بن مخلد الكوفي القطواني -بفتح القاف والطاء المهملة- ويقع في كلها الاتفاق والافتراق والاشتباه كالأسماء.
فائدة: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} .
الشعوب: القبائل العظام، وقيل: الجماع التي تجمع متفرقات البطون واحدها شعب، والقبائل: هي دون الشعوب، والعمائر جمع عمارة -بالكسر والفتح- وهو حي عظيم يمكنه الانفراد بنفسه، والبطون دون العمائر، والفخذ دون البطن، والفصيلة دون الفخذ.
المؤلفات في الأنساب: وقد ألف في علم الأنساب جماعة العلماء منهم:
1- كتاب الأنساب: لتاج الإسلام أبي سعد -بفتح السين وسكون العين- ويقال: أبي سعيد -بفتح السين وكسر العين بعدها ياء- عبد الكريم بن محمد بن أبي المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار التيمي السمعاني -بفتح السين وكسرها- المروزي الشافعي الحافظ الذي زاد شيوخه عن أربعة آلاف شيخ, وله التصانيف المفيدة المتقنة التي منها: تاريخ مرو، والأمالي، وتاريخ الوفاة للمتأخر من الرواة وغير ذلك, المتوفى بمرو سنة اثنتين وستين وخمسمائة عن ثلاث وأربعين سنة, وهو كتاب عظيم في هذا الفن لم يصنف فيه مثله.
2- كتاب "العجالة" وهو صغير الحجم للحافظ أبي بكر محمد بن موسى بن عثمان بن موسى بن عثمان بن حاتم الجازمي نسبة إلى جده المذكور المتوفى سنة أربع وثمانين وخمسمائة.
3- وكتاب الأنساب لأبي محمد عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن خلف اللخمي المعروف بالرشاطي، وهو المسمى "اقتباس الأنوار والتماس الأزهار، في أنساب الصحابة ورواة الآثار", وقد أحسن فيه وجمع وما قصر وقد توفي سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة.
4- وقد اختصر كتاب أبي سعد السمعاني، واستدرك أشياء فاتته، ونبه على أغلاطه، الإمام المحدث اللغوي عز الدين أبو الحسن عليّ بن محمد، والصواب في اسمه محمد بن محمد، الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري نسبة إلى جزيرة ابن عمر لكونه من أهلها, المتوفى سنة ثلاثين وستمائة, وهو أخو المجد المبارك بن محمد صاحب "جامع الأصول" و"النهاية في غريب الحديث" وسمى كتابه "اللباب", وهو كتاب جليل في ثلاث مجلدات وهو الموجود بأيدي الناس.
5- ثم جاء الإمام السيوطي المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة فاختصره، وزاد عليه أشياء فاتته في كتاب سماه "لب الألباب في تحرير الأنساب", وهو في مجلد لطيف إلى غير ذلك من الكتب الأخرى التي ألفت في الأنساب.
* المصدر: الوسيط في علوم ومصطلح الحديث: محمد بن محمد بن سويلم أبو شُهبة.
طباعة
ارسال