حرص الإسلام على استقرار المجتمع المسلم ، وخلوِّه من المشاحنات
والمنازعات ، وحمايته من أسباب الفرقة والتمزق ، حتى لا يكون مجتمعاً ضعيفاً
هزيلاً ، منهاراً غير صامد أمام الأعداء ، فإن قوة تماسك المجتمع سبب هام لقوة
الأمة وعزتها ، وضعف المجتمع سبب يؤدي إلى هوان الأمة وذلَّها ، وما أتعس الأمة
التي تسمح لفتح ثغرات الهوان في صفوفها ، وما أسعد الأمة التي تشيع الأخلاق
الحميدة فيما بينها !!
وإن من أخطر المنافذ التي تزرع الضغينة بين أفراد المجتمع وتعين معاول
الهدم على تقويض أركانها وخلخلتها.. القطيعة والهجران بين أفرادها ، ولهذه القطيعة
والهجران أسباب تؤدي إليها ومن أهمها الغيبة والنميمة ، وهما صفتان ذميمتان من
كبائر الذنوب والمعاصي، وقال الله تعالى: (أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ
إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ
أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ
تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) [الحجرات:12].
وهذا المثال المضروب وضع ليعقله كل عاقل ، فهو يشبّه المغتاب بآكل لحم
الميت من أخيه الإنسان ، والغيبة محرمة سواء أكان الشيء أو الوصف المغتاب به
موجوداً في الغائب أو لا.. فقد روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن
النبي عليه الصلاة السلام قال: (أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم
قال ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول
فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته). رواه مسلم. [وبهته: أي افتريت عليه وهو أسوء
من الغيبة].
فالغيبة
والبهتان والطعن في الأعراض والحرمات والكرامات ، من اخطر آفات اللسان.
وحماية
العرض وحرمة المساس به كحرمة الاعتداء على الأموال والدماء تماماً ، وقد ورد في
الحديث المتفق عليه عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
في خطبته يوم النحر بمنى في حجة الوداع: (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم
هذا ، ألا هل بلَّغت) رواه مسلم.
وفي
هذا الحديث دلالة صريحة وواضحة على تحريم التعرض لدم المسلم وماله وعرضه ، بما لم
يسمح به الإسلام ، وكذا تحريم الغيبة والطعن بالآخرين.
ومن أبلغ الزواجر كما قال النووي: (وصف الإنسان بأنه قصير ، فقد روى أبو
داود والترمذي -وقال: حديث حسن صحيح- عن عائشة قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية
كذا وكذا. قال بعض الرواة: تعني قصيرة. فقال صلى الله عليه وسلم: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر
لمزجته. قالت: وحكيت له إنساناً فقال: ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا).
وهذا
من أبلغ الزواجر عن الغيبة وهو من كلام المصطفى من بُعِثَ ليتمم مكارم الأخلاق صلى
الله عليه وسلم ، فهو الذي لا ينطق عن الهوى ولا يلفظ إلا بالحكمة والسداد.
ومن
المحذرات عن الغيبة: تصوير عذاب المغتابين يوم القيامة بصورة منفرة ، فقد روى أبو
داود عن انس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لما عرج بي مررت
بأقوام لهم أظافر من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم ، فقلت: من هؤلاء يا جبريل ؟
فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ، ويقعون في أعراضهم). أي: أن الذين يتكلمون
عن الناس بالكلام القبيح السيء ، ويصفونهم بالسيء من الأوصاف -ولو كانت فيهم حقاً-
سيعذبون بالعذاب المذكور في الحديث الشريف ، وسيجرحون وجوههم وصدورهم بأظافر من
نحاس إلى ما هنالك من عذاب.
* أهم المصادر والمراجع:
- الكبائر: الإمام الذهبي.
- أخلاق المسلم: د. وهبة الزحيلي.
- مختصر تفسير ابن كثير: الإمام ابن كثير.
- الآداب الشرعية: الإمام محمد بن مفلح.
طباعة
ارسال