اسمه ونسبه ونشأته:
هوإمام, ثقة, حافظ, فقيه, حجة, أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، أبو عبد الله المروزي، ثم البغدادي.
خرج به من مرو حمْلاً، وولد ببغداد، ونشأ بها، ومات بها، وطاف البلاد في طلب العلم، ودخل الكوفة، والبصرة، ومكة، والمدينة، واليمن، الشام، الجزيرة.
قال صالح بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: ولدت في سنة أربع وستين ومائة في أولها في ربيع الأول.
قال: وجيء به حملا من مرو، وتوفي أبوه محمد بن حنبل وله ثلاثون سنة، فوليته أمه يعني كان سن أبيه حين توفي ثلاثين سنة وأما أحمد، فكان طفلاً حين توفي أبوه، ولذلك وليته أمه.
شيوخه:
بشر بن المفضل, وإسماعيل بن علية, وسفيان ابن عيينة, وجرير بن عبدالحميد, ويحيى بن سعيد القطان, وأبي داود الطيالسي, وعبد الله ابن نمير, وعبد الرزاق الصنعاني, وعلي بن عياش الحمصي, والشافعي, وغندر, ومعتمر بن سليمان, وجماعة كثيرين.
تلاميذه:
البخاري, ومسلم, وأبو داود, وأسود ابن عامر شاذان, وابن مهدي, والشافعي, وأبو الوليد, وعبد الرزاق, ووكيع, ويحيى بن آدم, ويزيد بن هاورن - وهم من شيوخه -, وقتيبة, وداود بن عمرو, وخلف بن هشام - وهم أكبر منه -, وأحمد بن أبي الحواري, ويحيى بن معين, وعلي بن المديني, والحسين منصور, وزياد ابن أيوب, ودحيم, وأبو قدامة السرخسي محمد بن رافع, ومحمد بن يحيى بن أبي سمينة - وهؤلاء من أقرانه - وابناه: عبدالله, وصالح, وتلامذته: أبو بكر الأثرم, وحرب الكرماني, وبقي بن مخلد, وحنبل بن اسحاق, وشاهين بن السميدع, والميموني, وغيرهم, وآخر من حدث عنه أبو القاسم البغوي.
مناقبه وصفاته وثناء العلماء عليه:
قال أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري: طلبتُ أحمد بن محمد بن حنبل لأسأله عن مسألة، فجلست على باب الدار حتى جاء، فقمت فسلمت عليه، فردّ علي السلام، وكان شيخا مخضوباً طوالاً أسمر، شديد السمرة.
وقال محمد بن العباس بن الوليد النحوي: سمعت أبي يقول: رأيت أحمد بن حنبل رجلا حسن الوجه، رَبعة من الرجال، يخضب بالحناء خضاباً ليس بالقاني، في لحيته شعرات سود، ورأيت ثيابه غلاظاً إلا أنها بيض، ورأيته معتمّاً وعليه إزار.
قال عبدالله: وخضب أبي رأسه ولحيته بالحناء وهو ابن ثلاث وستين سنة.
قال إسحاق بن راهويه: سمعت يحيى بن آدم يقول: أحمد بن حنبل إمامنا.
وقال أبو يعقوب يوسف بن عبدالله الخوارزمي: سمعت حرملة ابن يحيى يقول: سمعت الشافعي، يقول: خرجت من بغداد وما خلّفت بها أفقه ولا أزهد، ولا أورع، ولا أعلم من أحمد بن حنبل.
وقال محمد بن عبدوس بن كامل عن شجاع بن مخلد: كنت عند أبي الوليد الطيالسي فورَدَ عليه كتاب أحمد بن حنبل، فسمعته يقول: ما بالمِصْرَين - يعني البصرة والكوفة - أحد أحب إلي من أحمد ابن حنبل، ولا أرفع قدراً في نفسي منه.
وقال أبو بكر الجارودي، عن أحمد بن الحسن الترمذي: سمعت الحسن بن الربيع يقول: ما شبّهت أحمد بن حنبل إلا بابن المبارك في سمته وهيئته.
قال الحارث بن عباس: قلت لأبي مسهر: هل تعرف أحداً يحفظ على هذه الأمة أمر دينها ؟ قال: لا أعلمه إلا شابّ في ناحية المشرق يعني: أحمد بن حنبل.
وقال أحمد بن سلمة النيسابوري: سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول: كنت ألتقي بالعراق مع يحيى بن معين وخلف يعني ابن سالم وأصحابنا، وكنّا نتذاكر الحديث من طريقين وثلاثة، ثم يقول يحيى بن معين: وطريق كذا، وطريق كذا ، فأقول لهم: أليس قد صح بإجماعٍ منّا ؟ فيقولون: نعم، فأقول: ما تفسيره ؟ ما مرادُه ؟ ما فقهه ؟ فيبقَون كلهم إلا أحمد بن حنبل، فإنه يتكلّم بكلام له قويّ.
وقال عبدالله سمعت أبي يقول:... وحججتُ خمس حجج منها ثلاث حجج راجلاً أنفقت في إحدى هذه الحجج ثلاثين درهماً.
قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يصلّي في كل يوم وليلة ثلاث مائة ركعة، فلما مرض من تلك الأسواط، أضعفته، فكان يصلي في كل يوم وليلة مئة وخمسين ركعة، وقد كان قرب من الثمانين، وكان يقرأ في كل يوم سبعاً يختم في كل سبعة أيام، وكانت له ختمة في كلّ سبع ليال سوى صلاة النهار، وكان ساعة يصلي العشاء الآخرة ينام نومة خفيفة، ثم يقوم إلى الصباح يصلّي ويدعو.
مؤلفاته:
للإمام أحمد رحمه الله العديد من المؤلفات منها:
تفسير القرآن. طاعة الرسول. كتاب الأشربة الصغير. كتاب الأيمان. كتاب الرد على الجهمية. كتاب الزهد. كتاب العلل في الحديث. كتاب الفرائض. كتاب فضائل الصحابة. كتاب المسند. كتاب المناسك. كتاب مناقب الإمام علي ابن أبي طالب. كتاب الناسخ والمنسوخ من القرآن.
محنته:
ودُعي إلى القول بخلق القرآن أيام المعتصم, فقال أحمد: أنا رجل علمتُ علماً ولم أعلم فيه بهذا، فأحضر له الفقهاء والقضاة فناظروه... فلم يجب، فضُرب وحبس وهو مصرٌّ على الامتناع، وكان ضربه في العشر الأخير من شهر رمضان، سنة عشرين ومائتين, وكانت مدة حبسه إلى أن خلِّي عنه ثمانية وعشرين يوماً, وبقي إلى أن مات المعتصم, فلما ولي الواثق منَعَه من الخروج من داره إلى أن أخرجَه المتوكّل, وخلَع عليه وأكرمه, ورفع المحنة في خلق القرآن.
قال أبو عوانة الاسفراييني، عن أبي الحسن الميموني: قال لي علي بن المديني بالبصرة قبل أن يمتحن عليّ, وبعد ما امتُحن أحمد بن حنبل وضرب وحبس وأُخرج: يا ميموني، ما قام أحدٌ في الإسلام ما قام به أحمد بن حنبل, فتعجبت من هذا عجبا شديداً، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه, وقد قام في الردّة وأمر الإسلام ما قام به، قال الميموني: فأتيت أبا عبيد القاسم بن سلام، فتعجبت إليه من قول عليّ، قال: فقال لي أبو عبيد مجيباً: إذاً يخصمك ! قلت: بأي شيء يا أبا عبيد، وذكرت له أمر أبي بكر، قال: إنّ أبا بكر وجد أنصارا وأعواناً, وإن أحمد بن حنبل لم يجد ناصراً، وأقبل أبو عبيد يُطري أبا عبدالله ويقول: لستُ أعلم في الإسلام مثلَه.
وفاته:
قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: توفي أبي رحمه الله يوم الجمعة ضحوة ودفنّاه بعد العصر لاثنتي عشرة ليلة من ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين ومائتين، وصلى عليه محمد بن عبدالله بن طاهر غلبنا على الصلاة عليه، وقد كنّا صلينا عليه نحن والهاشميون داخل الدار، وكان له ثمان وسبعون سنة.
وقال أبو محمد عبدالله بن إسحاق بن إبراهيم البغوي، عن بنان ابن أحمد بن أبي خالد القصباني: حضرت الصلاة على جنازة أحمد ابن حنبل يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين ومائتين، وكان الإمام عليه محمد بن عبدالله بن طاهر، فأخرجت جنازة أحمد بن حنبل، فوضعت في صحراء أبي قيراط، وكان الناس خلفه إلى عمارة سوق الرقيق، فلما انقضت الصلاة، قال محمد بن عبدالله بن طاهر: انظروا كم صلى عليه ورائي، قال: فنظروا فكانوا ثمان مئة ألف رجل، وستين ألف امرأة، ونظروا من صلى في مسجد الرصافة العصر فكانوا نيفا وعشرين ألف رجل.
وقال عبد الرحمان بن أبي حاتم الرازي: حدثني أبو بكر محمد ابن عباس المكي، قال: سمعت الوركاني جار أحمد بن حنبل قال: أسلمَ يوم مات أحمد بن حنبل عشرون ألفا من اليهود والنصاري والمجوس.
مراجع الفقرة:
تهذيب الكمال (1/427), الوافي بالوفيات (5/162-165), هدية العارفين في أسماء المؤلفين (1/48) دار العلوم الحديثة.
طباعة
ارسال