المقصود بالثقل في وصف صناعة معينة هو في المقام الأول توفر مصادر تمويل وما يرتبط به من دراسة الجدوى والميزانية المرصودة.
وثانيا: ندرة أو وفرة ومهارة الكوادر والعمالة المؤهلة والمدربة على مستوى عالٍ.
وثالثا: خصائص السوق الذي ستباع فيه المنتجات، وشراسة المنافسة الداخلية والخارجية. وأخيرا وليس آخراً جودة المنتجات ومدى موافقتها لمعايير السلامة والأمان فضلا عن عدم مخالفتها في حالة بلادنا للشرع الحنيف.
الإنفاق في صناعة الإعلام لابد أن يكون رشيدا ومنضبطا ومراقبا بالطبع. لكن كل ذلك لا يعني ولا يحتمل التقتير ولا التأجيل. ولهذا قد يشعر من ينفقون على الإعلام من موارد حلال، أن الأمر مؤلم وصعب, أما من لا ينفقون من حلال فحيث أن الغاية عندهم تبرر الوسيلة نجدهم يضخون المليارات. وتشارك ماكينات تشبه طابعات البنكنوت في العملية, وأقصد بهذه الماكينات، إمبراطوريات شركات الإعلان المحلية المرتبطة بالعالمية.
الغاية عند من ينفقون على الإعلام من غير الحلال هي أن تكون وسائل الإعلام ضمن أدوات الصراع السياسي الداخلي القذر، بل والحروب والغزو الفكري. وإذا كانت الدولة هي من يدير الصراع أو تشن الحرب فلا مجال بالطبع لوصف المال المصروف على الإعلام بالحلال أو الحرام. يمكننا في هذه الحالة الحكم على شرعية وعدالة ونظافة الصراع، بمعايير الدين والأخلاق وليس فقط المصلحة الخاصة بالدولة ومن يحكمون.
الربح المادي من صناعة الإعلام يكاد يكون شبه مستحيل وبصفة خاصة عندما تلتزم الميديا بالرسالة الأخلاقية والوطنية. والرابحون ماليا من الميديا في العالم كله ليسوا فوق مستوى الشبهات.
لكن الربح السياسي والقيمي والاجتماعي من صناعة الإعلام الممول من الدولة أو المال الوقفي لا يقدر بثمن، والمردود هنا هو ذاته ما يعود على الدولة من مجانية التعليم والصحة والإنفاق السخي على القوات المسلحة.
وقد عرفنا في تراثنا الإسلامي التمويل الوقفي، وبالذات عندما كانت ميزانية الدولة تنوء بأعباء توفير الحد الكريم لمعيشة الرعية.
وأعود لقضية تمويل صناعة الإعلام بشتى وسائله لأُذَكِّر بأن تجربة كتجربة موقع "إسلام أون لاين" ـ مثلاـ لم تكن لتنجح لولا التمويل الوقفي. ولم تنجح محطة تليفزيون "سمانيولو" التركية التابعة لجماعة النورسيين إلا بالمال الوقفي والتبرعات التي بلغت في أول يوم من التفكير فيها مائتي مليون دولار.
لدي كمواطن في حقبة الثورة، وكإعلامي، وكمسلم، يقين بأن الله تعالى سيعيننا بقدر إخلاصنا ودأبنا وأخذنا بالأسباب في تأسيس صناعة إعلامية مؤثرة. ومن بين الأخذ بالأسباب حسن دراسة مواضع قوتنا ومواضع ضعفنا، وفهم الواقع، وإسناد الأمر لأهل التخصص وليس لأهل الثقة.
كما يلزم من يتعاطون مع قضايا الإعلام من خارج التخصص العمق وعدم التسرع في إطلاق الأحكام الانطباعية, ونسأل الله أن يرزقنا جميعا سعة الصدر وتقبل النقد البناء.
حازم غراب
طباعة
ارسال