اسم الكتاب:
نصَّ المؤلف على تسمية الكتاب في المقدمة فقال: وسمَّيته "لسان الميزان"، بل ضمَّن الاسم في خطبة الكتاب فقال: الحمد لله المحمود بكلِّ لسان، معروفٍ بالجود والإحسان، الذي خلق الإنسان وعلمه البيان، وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادةً أدَّخرها يوم العرض على الميزان.. "لسان الميزان" (1/189).
وكذا قد نصَّ على تسميته بهذا الاسم العلماء الذين ذكروا هذا الكتاب، كما سيأتي.
ومعنى الجملة (لسان الميزان): قطعة المعدن التي تكون في وسط الميزان بين كفتيه.
توثيق نسبة الكتاب للمؤلف:
قد دلَّ على ثبوت نسبة هذا الكتاب للإمام الذهبي أمورٌ كثيرة من أهمها:
1. الاستفاضة والشهرة، فقد اشتهر هذا الكتاب بنسبته للحافظ ابن حجر، من لدن تصنيفه له إلى يومنا هذا.
2. وجود عدد من النسخ الخطية للكتاب مكتوبًا على طرتها اسم الكتاب منسوبًا للحافظ ابن حجر.
3. أنَّ المؤلف قد عزا لهذا الكتاب في كتبه الأخرى، فقال في "النكت على كتاب ابن الصلاح" (1/502): ومن أراد استيفاءها فليطالع كتابي "لسان الميزان" الذي اختصرتُ فيه كتاب الذهبي في أحوال الرواة المتكلم فيهم، وزدتُ فيه تحريرًا وتراجم على شرطه، والله الموفق. وعزا له في موضع من "الإصابة"، و"تهذيب التهذيب".
4. نسبه له من جاء بعده من العلماء؛ فقال تقي الدين الفاسي: اختصر فيه "الميزان" للذهبي، وزاد فيه أكثر من ستمائة ترجمة. "ذيل التقييد في رواة السنن والأسانيد" (1/354)، وقال السيوطي: وعمل شيخ الإسلام "لسان الميزان" ضمَّنه "الميزان" وزوائد. "تدريب الراوي" (2/368)، وعزا له السخاوي في مواضع من كتبه وخاصة في "فتح المغيث"، ونسبه له الشيخ طاهر الجزائري في "توجيه النظر إلى أصول الأثر" (1/275)
5. نسبه له العلماء الذين ترجموا له، فقال الحافظ السخاوي: في مجلدين أو ثلاثة, يشتمل على تراجم من ليس في "تهذيب الكمال" من "الميزان", مع زيادات كثيرة جدًا في أحوالهم من جرح وتعديل, وبيان وهم, وعلى خلق كثير لم يذكرهم في "الميزان" أصلاً. "الجواهر والدرر" (2/683)، وكذا نسبه له السيوطي في "ذيل طبقات الحفاظ" (1/251)
6. نسبه له أصحاب كتب الفهارس والأثبات؛ كالكتاني في "الرسالة المستطرفة" (ص 146)، وحاجي خليفة في "كشف الظنون" (2/1917), والبغدادي في "هدية العارفين"، وصديق حسن خان في "أبجد العلوم" (3/98)
سبب تأليف الكتاب:
أشار المؤلف إلى سبب تأليف الكتاب في المقدمة فقال: .. ومن أجمع ما وقفتُ عليه في ذلك كتاب "الميزان" الذي ألَّفه الحافظ أبو عبدالله الذهبي، وقد كنتُ أردتُ نسخه على وجهه فطالَ عليَّ، فرأيتُ أن أحذفَ منه أسماءَ من أخرج له الأئمة الستة في كتبهم أو بعضهم، فلما ظهر لي ذلك استخرتُ الله تعالى وكتبتُ منه ما ليس في "تهذيب الكمال"، وكان لي من ذلك فائدتان: إحداهما: الاختصار والاقتصار، فإنَّ الزمان قصير والعمر يسير، والأخرى: أنَّ رجال "التهذيب" إما أئمة موثوقون، وإما ثقات مقبولون، وإما قومٌ ساء حفظهم ولم يطرحوا، وإما قومٌ تُرِكوا وجُرحوا؛ فإن كان القصد بذكرهم أنه يعلم أنه تكلم فيهم في الجملة فتراجمهم مستوفاة في "التهذيب".. وسميته "لسان الميزان" ثم أختمها بفوائد وضوابط نافعة إن شاء الله تعالى. "لسان الميزان" (1/191)
فكان قصده من تأليف هذا الكتاب الاستدراك والتعقيب والتهذيب لكتاب "ميزان الاعتدال" للإمام الذهبي.
موضوع الكتاب، ولمحة عنه:
موضوع هذا الكتاب كموضوع أصله "ميزان الاعتدال" هو تراجم الرواة الضعفاء، مع الاستدراك والتعقيب والإضافة على كلام الإمام الذهبي إن احتاج الأمر إلى ذلك.
وقد افتتح المؤلف كتابه بمقدمةٍ نفيسةٍ استهلها بحمد الله تعالى والصلاة على نبيه، ثم بيَّن حفظ الله لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وبيان أهمية السنة النبوية وضرورة الاعتناء بها والتفتيش عن حال رجال الحديث وحملة الآثار، وقد أشار إلى الزيادات التي زاده في الكتاب، ثم ساق خطبة الكتاب الأصل، وعلَّق عليها في بعض الجوانب التي ذكرها الذهبي؛ وهي: ما يتعلَّق باصطلاح الذهبي في كلمة (صح) وكلمة (مجهول)، وأنَّ من عيوب التصنيف في تراجم الرواة: ذكر الجرح والسكوت عن التعديل، وأن البدعة على ضربين، وحكم رواية المبتدعة عمومًا والرافضة خصوصًا.
ثم ختم المقدمة بعشرة فصول يُحتاج إليها، وهي:
1. فصلٌ في تدليس التسوية.
2. فصلٌ في فيمن يُترك حديثه، وفي أقسام الرواة، والكتب التي ليس لها أصول.
3. فصلٌ في وجوه الفساد التي تدخل على الحديث.
4. فصلٌ في مراد ابن معين بقوله: "ليس به بأس"، و"ضعيف"، ومراد الدارقطني بقوله: "ليِّن".
5. فصلٌ في مذهب ابن حبان في توثيق المجاهيل.
6. فصلٌ في الجرح والتعديل؛ أيهما يُقدَّم ؟
7. فصلٌ فيمن يتوقف عن قبول قوله في الجرح.
8. فصلٌ في وجوب تأمُّل أقوال المُزكِّين ومخارجها.
9. فصلٌ في التوقُّف في الجرح والتعديل، ومعنى الشذوذ عند الإمام الشافعي.
10. فصلٌ فيمن يُقبل حديثه أو يُردّ، وهو من كتاب "الرسالة" للإمام الشافعي.
وبعد أن انتهى المؤلف من مباحث المقدمة شرع في تراجم الرواة مرتَّبين على حروف المعجم في أسمائهم وأسماء آبائهم، ثم ذكر الكنى، ثم المبهمين والمبهمات، ثم ذكر فصلاً ضمَّنه الأسماء التي كان قد حذفها من "اللسان" لكونهم في "تهذيب الكمال" ثم عاد فأدخلهم في آخر "اللسان" بأسمائهم المجردة فقط دون ترجمة، أو بترجمة موجزة، وقد قال في آخر الكتاب: فرغتُ منه في شهر جمادي الأولى سنة اثنتين وخمسين وثمان مائة بالقاهرة، سوى ما ألحقته بعد ذلك، وسوى الفصل الذي زدته من "التهذيب"، وهم من ذكرهم الذهبي في "الميزان"، وحذفهم في "اللسان" ليكون هذا المختصر مستوعبًا لجميع الأسماء التي في "الميزان"، والله المستعان.
فصلٌ في تجريد الأسماء التي حذفتها من "الميزان" اكتفاءً بذكرها في "تهذيب الكمال"، وقد جعلتُ لها علاماتها في "التهذيب" ومن كتبتُ قبالته: (صح)، فهو من تُكلِّم فيه بلا حجة، أو صورة (هـ)، فهو مختلف فيه والعمل على توثيقه. ومن عدا ذلك فضعيفٌ على اختلاف مراتب الضعف، ومن كان منهم زائدًا على من اقتصر عليه الذهبي في "الكاشف" ذكرتُ له ترجمة مختصرة لينتفع بذلك من لم يحصل له "تهذيب الكمال"، وبالله التوفيق. ا هـ
ومما تجدر الإشارة إليه أن الحافظ ابن حجر قد ألَّف كتابين آخرين حول كتاب "الميزان"، وهما: "تحرير الميزان"، و"ذيل الميزان"
وقد فرغ الحافظ ابن حجر من تأليف هذا الكتاب سنة (805هـ)، وبقي ينظر في الكتاب ويُنقِّح ويُصحِّح إلى آخر حياته، كما بيَّن محقق الكتاب (عبدالفتاح أبو غدة)
ما الذي زاده الحافظ ابن حجر في "اللسان" على "الميزان" ؟
زاد الحافظ ابن حجر إلى الأصل "الميزان" تراجم زادها من عنده وتراجم أخرى أخذها من كتاب شيخه العراقي فقال في المقدمة: وقد جمعتُ أسماءهم، أعني من ذكر منهم في "الميزان" وسردتها في فصل أم الكتاب، ثم إني زدتُ في الكتاب جملةً كثيرةً، فما زدته عليه من التراجم المستقلة جعلتُ قبالته أو فوقه ( ز )، ثم وقفتُ على مجلدٍ لطيفٍ لشيخنا حافظ الوقت أبي الفضل بن الحسين، جعله ذيلاً على "الميزان" ذكر فيه من تكلم فيه، وفات صاحب "الميزان" ذكره، والكثير منهم من رجال "التهذيب"، فعلَّمتُ على من ذكره شيخنا في هذا الذيل صورة ( ذ ) إشارةً إلى أنه من الذيل لشيخنا. "لسان الميزان" (1/191)، فمثال ما زاده هو: ( ز ) أبان بن أرقم الأسدي الكوفي، ذكره أبو جعفر الطوسي في الشيعة الإمامية في رجال أبي عبدالله جعفر الصادق ووثقه. "لسان الميزان" (1/219)، ومثال ما أخذه من زيادات الحافظ العراقي: ( ذ ) أحمد بن عبدالله ابن عبدالرحمن بن شمر البهزي، روى عنه ابن السمعاني وقال: اختلط في آخر عمره، حكاه ابن نقطة. "لسان الميزان" (1/517)
ورمز لما زاده في أثناء الترجمة بقوله: ( انتهى )، فقال: وما زدته في أثناء ترجمةٍ ختمتُ كلامه بقول: انتهى. وما بعدها فهو كلامي."لسان الميزان" (1/191)، ومثال ذلك: إبراهيم بن أحمد الميمذي القاضي، روى عن أبي خليفة وأبي يعلى، وعنه يحيى بن عمار الواعظ، قال الخطيب: كان غير ثقة. انتهى. واسم جده محمد بن عبدالله، ومن شيوخه أبو بكر بن المنذر وزكرياء الساجي، وهَّاه ابن السمعاني أيضًا، وروى عنه أيضًا هبة الله ابن سليمان بن الدبال وغيره. "لسان الميزان" (1/234)
الرموز التي استخدمها المؤلف في الكتاب:
استعمل المؤلف في هذا الكتاب مجموعةً من الرموز بالإضافة إلى رموز "تهذيب الكمال"، وهي: ز، ذ، انتهى، ك، حب، ص، صح، هـ، تمييز.
فقد استعمل الرمز ( ز ) لما زاده هو من التراجم، والرمز ( ذ ) إشارةً إلى أنه من الذيل لشيخه العراقي. ورمز لما زاده في أثناء الترجمة بقوله: ( انتهى)
واستعمل الرمز (حب) لرجال "صحيح ابن حبان" واستعمله مرة واحد في ترجمة (يزيد بن صالح اليشكري) (رقم 8572)، والرمز (ك) لرجال "المستدر على الصحيحين" للحاكم، والرمز (ص) اصطلح عليه في باب الكنى والمبهمات، وهو إشارة إلى الأصل أي "الميزان"، حيث قال في باب الكنى: وقد غيَّرتُ الرقمَ، فكلُّ من عليه ( ص ) فهو من الأصل، ومن لا رقم عليه فهو من زيادة ورقم شيخنا على حاله. "لسان الميزان" (9/5)
ورمز (صح) لمن فيه كلام والعمل على توثيقه، كما هو في الأصل، ورمز (هـ) في فصل التجريد إشارة إلى اختلاف الأئمة في صاحب الترجمة بين التوثيق والتجريح، وقد استعمله في ترجمة واحدة، وهي: ترجمة (محمد بن خالد الخُتَّلي) (6741).
ورمز (تمييز) استعمله مرة واحدة في ترجمة (عبدالله بن روح المدائني) (4238)
منهج المؤلف:
يمكن الكلام عن منهج المؤلف في هذا الكتاب من خلال النقاط التالية:
1. قدَّم المؤلف لكتابه بمقدمةٍ نفيسةٍ كما سبق بيانه.
2. رتَّب المؤلف الرواة على حروف المعجم في أسمائهم وأسماء آبائهم، كما هو في ترتيب الأصل، وغالبًا ما يُؤخِّر ذكر المهملين بعد المنسوبين إلى آبائهم، وذكر من اسمه (عبدالله) قبل غيره ممن ابتداء اسمه (عبد)، وفعل مثل ذلك في أسماء آبائهم، وعندما ذكر المؤلف المبهمات قسمهم إلى ثلاثة أقسام: الأول: المنسوب. والثاني: من اشتهر بقبيلة أو صنعة. والثالث: من ذُكِرَ بالإضافة.
3. يذكر المؤلف اسم الراوي واسم أبيه وجده وكنيته ونسبه، ولا يُطيل في ذلك، ويذكر بعض شيوخه وتلاميذه على سبيل الاختصار، ويذكر ما قيل فيه من جرحٍ أو تعديل، ثم يذكر من حديث الراوي ما يُدلِّل به على ضعف حديثه.
4. يحكم المؤلف - غالبًا - على الأحاديث التي يوردها في أثناء الترجمة.
5. كان الذهبي قد أفرد فصلاً في آخر "الميزان" لأسماء النساء فجاء المؤلف فألحق أسماء النساء مع أسماء الرجال بحسب حروف المعجم، حيث قال في آخر الكتاب: تنبيه: ذكر المصنف للنساء فصلاً مفردًا، وكان قد ذكر كثيرًا منهن مع الرجال، فألحقتُ كلَّ اسمٍ كان من شرطي لمحله في أسماء الرجال، فلذلك لم أفرد لهن فصلاً هنا. "لسان الميزان" (9/245)
6. ذكر المؤلف جميع التراجم التي في "الميزان" سوى من كان مترجمًا في "تهذيب الكمال"، وزاد زيادات ليست في "الميزان"، قال الحافظ السخاوي- وهو يتحدَّث عن "اللسان" -: .. يشتمل على تراجم من ليس في "تهذيب الكمال" من "الميزان", مع زيادات كثيرة جدًا في أحوالهم من جرح وتعديل, وبيان وهم, وعلى خلق كثير لم يذكرهم في "الميزان" أصلاً. "الجواهر والدرر" (2/683).
7. حذف المؤلف من ترجم له المزي في "تهذيب الكمال" سواءً كانت الترجمة من التراجم الأصول (أي الراوي له رواية في الكتب الستة)، أو كان ذكر الراوي لأجل التمييز فقط، ومما يدل على ذلك: في ترجمة (إسحاق بن عبدالله) قال الحافظ ابن حجر: قلت: إسحاق بن نجيح الملطي لم يخرج له أحد من الأئمة الستة، ولكن ذكره المزي في التهذيب للتمييز فلم أذكره هنا لكونه ليس من شرطي في هذا اللسان، واقتصرت على التنبيه على كشف هذه العلة لئلا يظن أنه راوٍ آخر أهملته. "لسان الميزان" (2/64- 65 رقم 1043)
8. تبع المؤلف الإمام الذهبي في عدم ذكره لتراجم الصحابة في هذا الكتاب، وذلك لأن الصحابة عدول، والضعف إنما يأتي من قبل الرواة عنهم لا منهم.
9. ذكر الحافظ ابن حجر في آخر "اللسان" فائدة حاصلها: أن من لم يترجم له في "الميزان" أو "اللسان" أو "تهذيب التهذيب" قال: فهو إما ثقة ، أو مستور.
أهمية الكتاب وفوائده:
لقد احتلَّ هذا الكتاب منزلةً رفيعةً ومكانةً مرموقةً في أوساط أهل العلم وطلبته, وتميَّز بمزايا كثيرة من أهمها:
1. مكانة مؤلفه العلمية المرموقة والتي لا تخفى على أحدٍ من أهل العلم وطلبته، وقيمة أي كتاب تزداد بعلو مكانة مؤلفه، كيف لا ومؤلفه حافظ عصره كما لا يخفى.
2. اشتمل هذا الكتاب على إضافات وتحريرات قلَّ أن توجد في غيره من الكتب المؤلف في تراجم الرواة، وهو وإن كان متمِّمًا ومكمِّلاً لكتاب "ميزان الاعتدال" للذهبي، إلا أنه أضاف عليه إضافات كثيرة كما سبق، وتعقَّبه في مواضع ليست بالقليلة، ظهر فيها سعة اطلاعه وعلوِّ منزلته في هذا الفن كما لا يخفى.
3. أنَّ الحافظ ابن حجر كثيرًا ما يُحيل إلى هذا الكتاب في كتبه الأخرى، كـ "تهذيب التهذيب"، و"الإصابة" بقوله: وقد حرَّرت ذلك في "لسان الميزان" أو: وقد بيَّنته، مما يعني أنه بذل فيه جهدًا عظيمًا، وحرَّره تحريرًا دقيقًا.
4. أنَّ هذا الكتاب يُعدُّ من أجود الكتبِ وأدقّها بين كتب التي ترجمَت للرواة الضعفاء، مع ما فيه من وضوح العبارة وسهولتها، وسهولة الوصول إلى الترجمة بسبب ترتيب أسماء الرواة على حروف المعجم.
5. يُعدُّ هذا الكتاب مع كتاب "ميزان الاعتدال" من أهم وأجمع الكتب المؤلفة في هذا تراجم الرواة الضعفاء، حتى لا يكاد يستغني عنهما أحد ممن يحتاج إلى ترجمة راوٍ ضعيف، بل لو أراد الباحث الاقتصار عليهما في معرفة أحوال الرواة الضعفاء لأمكن ذلك إلى حدٍّ ما، والله أعلم.
6. قد أثنى على هذا الكتاب عددٌ جمٌّ من أهل العلم، فأول من أثنى عليه شيخ المؤلف الحافظ العراقي، فقد كتب بخطه على نسخة من "اللسان": كتاب "لسان الميزان" تأليف الحافظ المتقن الناقد الحجة شهاب الدين أحمد بن علي الشافعي الشهير بابن حجر، نفع الله بفوائده، وأمتع بعوائده. "الجواهر والدرر" (1/268)، وقال الشيخ تقي الدين الفاسي: لخصتُ هذه الترجمة من "لسان الميزان" لصاحبنا الحافظ أبي الفضل العسقلاني.. وهو كتاب بديع. "العقد الثمين" (3/60)، وقال تلميذه الحافظ السخاوي: والتقط شيخنا منه من ليس في "تهذيب الكمال" وضمَّ إليه ما فاته من الرواة والتتمَّات، مع انتقاد وتحقيق في كتاب سمَّاه "لسان الميزان" مما كتبته وأخذته عنه، وعمَّ النفع به. "فتح المغيث" (4/352)
بعض المآخذ على الكتاب:
1. أغفل المؤلف بعض التراجم التي في "الميزان" مع أنها على شرطه، وقد ذكر منها محقق الكتاب (عبدالفتاح أبو غدة) التراجم التالية - بحسب الترقيم في المطبوع -: (1965، 1966، 4311، 4863، 5396، 8138، 7184، 8948) وقال عقبها: فيحتمل أن هذه التراجم ثبتت في بعض النسخ دون الأخرى، ويَرِدُ نحو هذا الاحتمال في التراجم التي يستدركها المؤلف على "الميزان" مع ثبوتها فيه، مثل التراجم: - الحسين بن عبدالرحمن (2553). – خالد بن صَبيح الخراساني (2879). – سعيد بن الصبَّاح (3438). – شهاب (3836). – الضحاك بن شُرحبيل (3955). – عامر بن محمد البصري (4055)... فذكر المحقق مجموعة من التراجم... وقال في آخر كلامه: كل ما سبق يُرجِّح أن ما وقع من ذلك ونحوه مرجعه غالبًا إلى اختلاف نسخ "الميزان" لا إلى وهم الحافظ رحمه الله، ومما لا شكَّ فيه أن لدى الحافظ عدة نسخ من "الميزان"..
2. تعقَّب المؤلف الإمامَ الذهبي في إيراده بعض الصحابة في الكتاب مخالفًا بذلك لشرطه، ولكنه ذهل أيضًا فأورد بعض الصحابة، مثلك: جُنيد الفهري (ترجمة 1985)، كِنانة بن أوس (6238)، مروان الأسلمي (7663)، ناجية بن الأعجم (8081) وغيرهم.
3. زاد المؤلف تراجم كثيرة ما كان ينبغي إيرادها، كتراجم رجال الشيعة ممن ليس لهم رواية في كتب أهل السنة. وكذلك ترجم لبعض الفقهاء والشعراء والصوفية ممن لا رواية لهم.
4. كما أنه ترجم لرواة ليسوا على شرط الكتاب، فترجم لبعض رجال "تهذيب الكمال" مع أنه اشترط عدم ذكر الرواة المترجمين فيه.
5. اعتمد الحافظ ابن حجر كثيرًا على كتاب "الثقات" لابن حبان، حيث اعتبر مجرد قول ابن حبان في الراوي: يخطئ، أو: يُغرب ونحو ذلك كافيًا في إيراد الراوي في "اللسان" مع أنه اعتبر نحو هذه العبارات في مقدمة كتابه من الجرح المبهم الذي يُتوقَّف فيه.
6. ألَّف الشريف حاتم العَوني كتاب "ذيل لسان الميزان" واستدرك فيه (237) ترجمة لم يذكرها الحافظ ابن حجر في "اللسان" مع أنها على شرطه، ويمكن أن يُجاب عن ذلك بأن الحافظ ابن حجر لم يقصد استيعاب الرواة الضعفاء، والله أعلم.
اعتناء العلماء والباحثين بالكتاب:
احتلَّ هذا الكتاب منزلةً كبيرة لدى أهل العلم كما سبق الإشارة إليه، ولذلك فقد اعتنوا به قراءةً وتصحيحًا، واستدراكًا واختصارًا، ومن المؤلفات حول "اللسان":
1) كتاب "تقويم اللسان" للحافظ ابن حجر نفسه، ذكر فيه من ذكره الذهبي في "الميزان" ولم يذكر مستنده في ضعفه. ذكر ذلك تلميذه السخاوي في "الجواهر والدرر" (2/683)، و"الإعلان بالتوبيخ" (ص587)
2) كتاب "تقويم اللسان"، وكتاب "فضول اللسان" كلاهما للحافظ زين الدين قاسم بن قُطْلُوبُغا الحنفي. ذكر ذلك السخاوي في "الضوء اللامع" (6/187)
3) "زوائد اللسان" للحافظ السخاوي. ذكره في "الإعلان بالتوبيخ" (ص587)
4) "زوائد اللسان على الميزان" للحافظ السيوطي، ذكره في "فهرست مؤلفاته" (ص29)، وذكره حاجي خليفة في "كشف الظنون" (1918)
5) "تحرير اللسان" وهو اختصار لـ"لسان الميزان" لمحمد بن رجب بن عبدالعال بن موسى بن أحمد بن عبدالرحمن الزبيري الشافعي.
6) ولعبدالرؤوف بن تاج العارفين بن علي الحدادي المناوي كتاب انتقاه من "لسان الميزان" بيّن فيه الموضوع والمنكر والمتروك والضعيف، ورتَّبه كالجامع الصغير. ذكره الكتاني في "فهرس الفهارس والأثبات" (2/561)
7) اختصر "اللسان" في مجلد كبير: أبو زيد عبدالرحمن بن أبي العلاء إدريس بن محمد العراقي الحسيني الفاسي المتوفى سنة أربع وثلاثين ومائتين وألف. ذكر ذلك الكتاني في "الرسالة المستطرفة" (ص 146)
8) وقد بدأ الشيخ الألباني بكتاب "الجمعُ بين "ميزان الاعتدال"، و"لسان الميزان" لكنه لم يكمله.
9) كتاب "ذيل لسان الميزان" للشريف حاتم بن عارف العوني، وطبع الكتاب في دار عالم الفوائد- مكة المكرمة، ط: الأولى سنة (1418 هـ)
طبعات الكتاب:
طبع الكتاب في دائرة المعرف النظامية – الهند سنة (1329- 1331هـ) في(7) مجلدات.
ثم صُوِّر في مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت سنة (1406 هـ)، وصُوِّر في دار الفكر- بيروت، وفي دار صادر.
ثم أعيدَ صفّ الكتاب في دار الفكر- بيروت، سنة (1408هـ)
ثم طبع في دار الكتب العلمية في(7) مجلدات بتحقيق: علي معوض وعادل عبدالموجود، سنة (1416هـ)
وطُبع في مطبعة الفاروق الحديثة بالقاهرة، سنة (1416هـ) في (8) أجزاء، بتحقيق: غُنيم عباس غُنيم، وخليل محمد العربي.
وطبع بتحقيق وإشراف: محمد بن عبدالرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي، ومؤسسة التاريخ العربي- بيروت، الطبعة: الأولى، سنة (1416هـ)
ثم طُبع بتحقيق: عبدالفتاح أبو غدة، ونشر في مكتب المطبوعات الإسلامية، وقامت بإخراجه دار البشائر الإسلامية- بيروت، الطبعة: الأولى، سنة (1423هـ)، ولعلَّ هذه الأخيرة هي أحسن طبعات الكتاب والله أعلم. وقد اعتمدت على مقدمة المحقق في بعض الجوانب في كتابة هذا البحث.
* المصدر: الجمعية السعودية للسنة وعلومها.
طباعة
ارسال