ترجمة موجزة للمؤلف:
اسمه ونسبه وكنيته ونسبته:
هو محمد بن سعد بن منيع الهاشمي مولاهم، أبو عبدالله البصري، المعروف بابن سعد، وبكاتب الواقدي، لكونه لازم شيخه محمد بن عمر الواقدي زمنًا طويلاً، وكتب له.
مولده:
ولد الإمام ابن سعد في البصرة سنة ثمان وستين ومائة من الهجرة.
نشأته العلمية ورحلاته:
نشأ الإمام ابن سعد في موطنه البصرة، التي كانت مركزًا علميًا في ذلك العصر، وأفاد من علماء عصره، فسمع من الكثيرين منهم، ثم سافر إلى بغداد وسكن فيها ولازم فيها شيخه محمد بن عمر الواقدي، كما أنه سافر إلى الكوفة وإلى المدينة النبوية ومكة المكرمة.
أشهر شيوخه:
سعيد بن سليمان الضبي الواسطي البزاز، المعروف بسعدويه (225هـ)، وسفيان بن عيينة الكوفي ثم المكي (107-198هـ)، وسليمان بن حرب البجلي البصري قاضي مكة (140هـ- 224هـ). وشعيب بن حرب الخراساني البغدادي، ثم المدائني، نزيل مكة (ت 197هـ)، وعبدالله بن مسلمة بن قعنب القعنبي (ت 220 أو 221هـ)، وعبدالله بن وهب بن مسلم المصري الفقيه (125-197هـ)، ومحمد بن عمر بن واقد الواقدي، ويحيى بن سعيد القطان البصري (120-198هـ)
أشهر تلامذته:
أحمد بن عبيد بن ناصح البغدادي النحوي المعروف بأبي عَصيدة، وأحمد بن يحيى جابر البلاذري المؤرخ صاحب "فتوح البلدان"، وأبو بكر بن أبي الدنيا عبدالله بن محمد بن عبيد بن سفيان البغدادي، والحارث بن محمد بن أبي أسامة البغدادي صاحب المسند وأحد رواة "الطبقات الكبرى" عن ابن سعد، والحسين بن محمد بن عبدالرحمن بن فَهُم البغدادي راوية "الطبقات الكبرى" عن ابن سعد.
مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:
قال عنه تلميذه الحسين بن فَهُم: كان كثير العلم كثير الحديث والرواية كثير الكتب، كتب الحديث وغيره من كتب الغريب والفقه. وقال الخطيب البغدادي: كان من أهل العلم والفضل. وقال ابن النديم: كان ثقة مستورًا عالمًا بأخبار الصحابة والتابعين. وقال ابن خلكان: كان أحد الفضلاء النبلاء الأجلاء وكان صدوقًا ثقة.
مؤلفاته:
- "الطبقات الكبرى".
- "الطبقات الصغرى"؛ ذكره فؤاد سزكين وقال: إنه يشتمل على نفس التراجم الموجودة في الكبير، غير أنها مختصرة، ويبدو أنه ألفه قبل الكبير..
- "الزخرف القصري في ترجمة أبي الحسن البصري" أي الحسين بن يسار.
- "القصيدة الحلوانية في افتخار القحطانيّين على العدنانيين"؛ تنسب له..
وفاته:
اختلفت المصادر في تأريخ وفاة ابن سعد على ثلاثة أقوال:
الأول: قال الصفدي: توفي ببغداد يوم الأحد رابع جمادى الآخرة سنة اثنتين وعشرين ومائتين، على اختلاف في ذلك، وهو ابن اثنين وستين عامًا. "الوافي بالوفيات" (3/88)
الثاني: قال ابن أبي حاتم: إنه مات سنة ست وثلاثين ومائتين. "الجرح والتعديل" (3/2/262)
الثالث: قال الحسين بن فَهُم: توفي ببغداد يوم الأحد لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاثين ومائتين، ودفن في مقبرة باب الشام وهو ابن اثنتين وستين سنة. كما رواه الخطيب بسنده عن ابن فَهُم أيضًا. "طبقات ابن سعد" (7/364)، و"تاريخ بغداد" (5/322)، ولعل هذا الراجح في تاريخ وفاته، وأكثر المصادر على أنه توفي في هذه السنة. لأن تلميذه الحسين بن فَهُم هو أعرف الناس بتأريخ وفاة شيخه، لكثرة ملازمته له باعتباره أحد رواة كتاب "الطبقات الكبرى".
2- دراسة عن كتاب الطبقات:
اسم الكتاب:
اسم الكتاب كما هو معروف "الطبقات الكبرى" وقد كان يُعرف باسم: "كتاب الطبقات الكبير"، وهذا الاسم هو الموجود على ظهر النسخ الخطية للكتاب، وقد نسبه له عدد من العلماء بهذا الاسم، وقد طُبع الكتاب بهذا الاسم.
توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف:
مما يدل على ثبوت نسبة هذا الكتاب إلى المؤلف ما يلي:
1. ثبوت رواية هذا الكتاب عن مؤلفه، حيث رواه عنه تلميذه الحسين بن فَهم البغدادي والحارث بن محمد بن أبي أسامة البغدادي وقد نص على روايته لهذا الكتاب، وقد ثبت ذلك بالسند المتصل إلى كل من الحسين بن فهم والحارث بن أبي أسامة.
2. وجود اسم الكتاب منسوبًا إلى المؤلف على ظهر النسخة الخطية للكتاب، كما أنه يوجد سماعات على هذه النسخة.
3. أن العلماء الذي صنفوا في تراجم الرواة قد اعتمدوا على هذا الكتاب واستفادوا منه ونقلوا عنه، بل لا يكاد يخلو كتاب من كتب الجرح والتعديل من نقلٍ عن ابن سعد، وكذلك كتب السيرة النبوية.
4. أن العلماء الذين ترجموا لابن سعد قد ذكروا هذا ضمن مؤلفاته.
وصف الكتاب ومحتواه:
يتكون هذا الكتاب من أجزاء، فالجزأين الأول والثاني خصصهما المؤلف للسيرة النبوية، .... وخصص الجزء الأخير للنساء.
وقد ذكر ابن النديم، وإسماعيل البغدادي (ت 1339هـ)، أنَّ لابن سعد كتاب "أخبار النبي صلى الله عليه وسلم"، والظاهر أن هذا الكتاب ليس إلا المجلد الأول والقسم الأكبر من المجلد الثاني من كتاب "الطبقات الكبرى"، حيث يختمه ابن سعد بقوله: "آخر خبر النبي صلى الله عليه وسلم"، ويتكلم فيه عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم بشكل مفصل، وقد انتشر على أنه كتاب مستقل.
ثم جمعه أحمد بن معروف بن بشر بن موسى الخشاب إلى باقي أجزاء الطبقات الكبرى - التي تبدأ بطبقات الصحابة - في كتاب واحد.
عناصر الترجمة في هذا الكتاب:
يذكر المؤلف في ترجمة الراوي: اسمه ونسبته وكنيته ولقبه ونسبه من جهة أبيه وأمه، ويذكر أولاده من بنين وبنات مع ذكر أمهاتهم وسرد نسبهن، كما قد يذكر المهنة التي يُزاولها الراوي وفي كثير من الأحيان يُقدم معلومات دقيقة عن الراوي مما يتعلق بصفاته الخُلُقية أو الخَلْقية أو أحواله الدالة على مكانته العلمية أو على عقيدته، وقد يستعرض الأحداث الهامة التي وقعت له، ويهتم بوصف المظهر الخارجي لصاحب الترجمة؛ فيُبيِّن نوع الخضاب الذي يخضب به شعره ولحيته، ونوع الثياب والعمامة التي يرتديها، ونوع الخاتم الذي يتختم به وصيغة نقشه إن وُجدت.
ويذكر أحيانًا المهنة التي كان يُزاولها المترجم أو الوظائف الإدارية أو القضائية التي كان يشغلها، وقد يُحدد المكان الذي سكن فيه المترجم، ورحلاته إلى الأمصار، وهذا التفصيلات عن حال الراوي قد تزيد وقد تنقص حسب شهرة الراوي ومكانته.
ويختم الترجمة بالحكم على الراوي جرحًا أو تعديلا، ويُشير إلى كثرة حديثه أو قلته.
ومثال ذلك: قوله: عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفَّان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، وأمه حفصة بنت عبدالله بن عمر بن الخطاب، وأمها صفيَّة بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفي، وأمها عاتكة بنت أسيد بن أبي العِيص بن أمية، وأمها زينب بنت أبي عَمرو بن أمية. فولد عبدالله بن عمرو: خالدًا، وعبدالله، وعائشة تزوجها سليمان بن عبدالملك بن مروان، فولدت له، وأمهم أسماء بنت عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، وأمها أم الحسن بنت الزبير بن العوَّام، وأمها أسماء بنت أبي بكر الصديق. وعبدالعزيز بن عبدالله، وأمية، وأم عبدالله تزوجها الوليد بن عبدالملك بن مروان فولدت له، وأم عثمان بنت عبدالله، وأمهم أم عبدالعزيز بنت عبدالله بن خالد بن أسيد بن العِيص بن أمية، وعَمرو بن عبدالله، وأم سعيد تزوجها يزيد بن عبدالملك بن مروان، فولدت له، وأمها أم عَمرو بنت أبان بن عثمان بن عفان. ومحمدًا بن عبدالله وهو الدِّيباج، والقاسم، ورقية، وأمهم فاطمة بنت حسين ابن علي بن أبي طالب، وأمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيدالله بن عثمان، ومحمدًا بن عبدالله الأكبر وهو الحازوق، وأمه أم ولد، وأم عبد العزيز بنت عبدالله تزوجها الوليد بن يزيد بن عبدالملك، فولدت له وأمها الجلال بنت بُخَيت بن عبدالرحمن بن الأسود بن أبي البَخْتَري من بني أسد بن عبد العزَّى. وعبدالله بن عَمرو بن عثمان، هو الذي يقال له: المُطْرَف لجماله. وتوفي عبدالله بن عمرو بمصر سنة ست وتسعين. "الطبقات الكبرى" [الجزء المتمم بتحقيق: د. زياد منصور](1/92- 93)
موارد المؤلف في كتابه:
اعتمد ابن سعد بشكل رئيسي على شيخه محمد بن عمر الواقدي، حتى أنه قد عُرف به واشتهر بنسبته إليه حيث يُقال كلما ذُكر (محمد بن سعد كاتب الواقدي) ثم يليه في النقل: معن بن عيسى الأشجعي القزاز، ويليه: مطرف بن عبدالله اليساري، ثم إسماعيل بن عبدالله بن أبي أويس، وأحمد بن أبي إسحاق إبراهيم الدورقي، وهؤلاء الشيوخ هم أكثر من نقل عنهم ابن سعد، ثم يليهم بقية شيوخه.
منهج المؤلف في هذا الكتاب:
قسَّم المؤلف كتابه هذا إلى أقسام، واتبع في كل قسم المنهج التالي:
- القسم الأول: قسم السيرة النبوية: واتبع فيه المنهج الآتي:
1. لم يقتصر فيه على ما أخذه من شيخه الواقدي، بل استقى من مصادر متعددة.
2. سلك فيه منهج ابن إسحاق في دراسة السيرة؛ حيث يُقدِّم للأحداث والأخبار بجمع أسانيده إليها ثم يُعقِّب ذلك بقوله: "دخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا.." ومثال ذلك: قال: أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي، أخبرنا محمد بن عبدالله، عن الزهري قال: وحدثنا محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: وحدثنا عبدالرحمن بن عبدالعزيز، عن عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: وحدثنا هاشم بن عاصم الأسلمي، عن أبيه، عن ابن عباس، دخل حديث بعضهم في حديث بعض، قالوا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب، فلما بلغ ست سنين خرجت به إلى أخواله بني عدي ابن النجار بالمدينة تزورهم به ومعه أم أيمن تحضنه وهم على بعيرين، فنزلت به في دار النابغة فأقامت به عندهم شهرًا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أمورًا كانت في مقامه ذلك لما نظر إلى أطم بني عدي بن النجار عرفه.. "الطبقات الكبرى" (1/116)
3. يسوق الخبر الرئيس عن الغزوة؛ فيرويه عن مجموعة الرواة الذين ذكرهم في أول حديثه عن الغزوات ثم يُكمل الحديث بروايات مفردة من مصادر متعددة يسوقها بأسانيدها.
4. إذا بدأ الحديث عن غزوة جديدة فإنه لا يعيد الأسانيد مجموعة كما يفعل شيخه الواقدي، وإنما يعطف على الأسانيد السابقة بقوله: "ثم غزوة كذا" ومثال ذلك: قوله: ذكر عدد مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه وأسمائها وتواريخها، وجمل ما كان في كل غزاة وسرية منها: أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي، أخبرنا عمر بن عثمان بن عبدالرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي، وموسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، ومحمد بن عبدالله بن مسلم بن أخي الزهري، وموسى بن يعقوب بن عبدالله بن وهب بن ربيعة بن الأسود، وعبدالله بن جعفر بن عبدالرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري، ويحيى بن عبدالله بن أبي قتادة الأنصاري، وربيعة بن عثمان بن عبدالله بن الهدير التيمي، وإبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي، وعبدالحميد بن جعفر الحكمي، وعبدالرحمن بن أبي الزناد، ومحمد بن صالح التمار، قال محمد بن سعد: وأخبرني رؤيم بن يزيد المقرئ، قال: أخبرنا هارون بن أبي عيسى، عن محمد بن إسحاق، وأخبرني حسين بن محمد، عن أبي معشر، وأخبرنا إسماعيل بن عبدالله بن أبي أويس المدني، عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة، دخل حديث بعضهم في حديث بعض، قالوا: كان عدد مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي غزا بنفسه سبعا وعشرين غزوة، وكانت سراياه التي بعث بها سبعا وأربعين سرية، وكان ما قاتل فيه من المغازي تسع غزوات: بدر القتال، وأحد، والمريسيع، والخندق، وقريظة، وخيبر، وفتح مكة، وحنين، والطائف، فهذا ما اجتمع لنا عليه. "الطبقات الكبرى" (2/5)، ثم بعد أن تحدَّث عن بعض السرايا قال: ثم سرية عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب بن عبد مناف إلى بطن رابغ في شوال على رأس ثمانية أشهر من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ثم سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرار في ذي القعدة.. ثم غزوة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأبواء في صفر على رأس اثني عشر شهرا من مهاجره.. وهكذا.
- القسم الثاني: طبقات الصحابة: وقد قسَّمهم باعتبار الفضل والسابقة إلى الإسلام إلى خمس طبقات:
1. فخصص الطبقة الأولى من كتابه لأهل بدرٍ من المهاجرين والأنصار.
2. والثانية فهي للصحابة الذين لم يشهدوا بدرًا ولهم إسلام قديم وشهدوا أُحُدًا وما بعدها من المشاهد، وأدخل معهم عامة مهاجرة الحبشة.
3. والطبقة الثالثة للصحابة الذين شهدوا الخندق وما بعدها ومن أسلم فيما بين الخندق وفتح مكة.
4. والطبقة الرابعة لمسلمة الفتح ومن جاء بعدهم.
5. والطبقة الخامسة للصحابة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أحداث السن، ولم يغزُ أحدٌ منهم مع النبي صلى الله عليه وسلم. مثل الحسن والحسين.
6. أما في الطبقة الواحدة فإنه يُرتبهم على الأنساب فيراعي جانب النسب والشرف، فيذكر الصحابة من بني عبد شمس بن عبد مناف، ثم من بني أسد بن عبدالعزى, ثم من بني عبدالدار بن قصي، ثم من بني زهرة بن كلاب، ثم من بني مرة بن كعب بن لؤي، وهكذا.. كما أن المؤلف قد ترجم لعدد من الصحابة الذين لم يُعرف لهم نسب وقد أدرجهم تحت عنوان: "ممن ورد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه ولم يُعرف نسبه".
7. ذكر الصحابة الموالي في أعقاب كل بطن من بطون قريش، كما اهتم المؤلف بذكر الموالي الذين اعتنوا برواية الحديث في سائر الطبقات.
8. راعى المؤلف بالإضافة إلى الاعتبارات السابقة انتشار الصحابة في الأقاليم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فبدأ بالمدينة ثم مكة ثم الطائف ثم اليمن ثم اليمامة ثم البحرين ثم الكوفة والبصرة وواسط وبغداد وخراسان والري وهمذان وقم والأنبار والشام والجزيرة ومصر وهكذا.. والظاهر أن غرضه من ذلك تحري أهل الرواية للحديث وأهل الفقه والعلم، كما أنه راعى معرفة الشيوخ والتلاميذ واتصال السند وانقطاعه، فيبدأ المؤلف في كل إقليم بذكر من نزله من الصحابة ثم يتبعه بمن أخذ عنهم من التابعين ثم من يأتي بعدهم وهكذا حتى يأتي إلى عصره.
- القسم الثالث: طبقات من بعد الصحابة من التابعين ومن بعدهم إلى عصره؛ ويختلف عدد طبقاتهم من بلدٍ لآخر، ففي المدينة سبع طبقات، وفي مكة خمس طبقات، وفي الكوفة تسع طبقات، وفي البصرة ثمان طبقات.. وفي هذه الطبقات يتبع ابن سعد المنهج الآتي:
1. يُطلق المؤلف في طبقات من بعد الصحابة أحكام الجرح والتعديل على الرواة كقوله: ثقة ثبت مأمون، أو: ثقة ثبت حجة، أو ليس بذاك، وهو صالح الحديث.. إلى غير ذلك من الأحكام والعبارات التي تُنبئ عن سعة اطلاعه ومعرفته بأحوال الرواة.
2. يُعتبر ابن سعد من الأئمة المعتدلين في الجرح والتعديل – في غالب أحكامه – كما يظهر ذلك من تصفح كتابه ومقارنة أقواله بأقوال سائر الأئمة النقاد، وقد قال عنه الحافظ السخاوي: وكذا تكلم في الجرح والتعديل أبو عبدالله محمد بن سعد كاتب الواقدي في طبقاته بكلام جيد مقبول. "الإعلان بالتوبيخ" (ص 342)
3. يتفاوت طول التراجم وقِصَرها عند المؤلف في سائر الطبقات بحسب مكانة وأهمية المُترجم، فبعض التراجم يُطيل فيها بشكل واضح وبعضها لا يتجاوز ذكر اسم المترجم دون ذكر أي معلومات تتعلق به، وغالبًا ما يُطيل في تراجم الصحابة والتابعين وأتباعهم أكثر مما يُطيل في تراجم معاصريه.
4. يلتزم المؤلف سوق الإسناد للروايات المختلفة التي يذكرها في كتابه هذا في سائر الطبقات.
5. يُقدِّم معلومات دقيقة عن المترجم من حيث صفاته الخَلقية أو الخُلُقية أو أحواله الدالة على مكانته العلمية أو على عقيدته كما يذكر بعض شيوخه وتلامذته.
أهمية الكتاب وبعض مميزاته:
تبرز أهمية هذا الكتاب في النقاط التالية:
1. مكانة المؤلف العلمية فهو إمام معروفٌ وحافظٌ من حفاظ الحديث.
2. يعتبر كتاب "الطبقات الكبرى" لابن سعد من أقدم ما وصل إلينا من كتب الطبقات.
3. اشتمال هذا الكتاب على القسم الخاص بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استفاد من هذا القسم من جاء بعد ابن سعد من المصنفين ممن كتب في السيرة النبوية.
4. كما تظهر أهمية الكتاب في تنوُّع مادته، وفي دقة المؤلف بذكر الأسانيد - وفق منهج المحدثين - للروايات الحديثية، والتأريخية، وحتى الأخبار المتعلقة بالأوصاف الشخصية.
5. حسن اختيار المؤلف لمعلوماته المتنوعة من مصادرها المتخصصة، بأمانة علمية متناهية.
6. يعتبر كتاب "الطبقات الكبرى" كتابًا هامًا اعتمده أصحاب المغازي والسير، والمؤرخون والنسابون وأئمة الجرح والتعديل.
7. اعتماد العلماء الذين صنفوا في الجرح والتعديل وتراجم الرواة على هذا الكتاب واعتمادهم على أحكام ابن سعد على الرواة.
8. أن هذا الكتاب من أقدم ما كُتِبَ في التاريخ الثقافي للمدينة النبوية في القرنين الأولين من الهجرة، وقد فقدت المؤلفات المبكرة التي تناولت التاريخ الثقافي للمدينة.
9. ثناء العلماء على هذا الكتاب فقد قال الخطيب البغدادي: صنف كتابًا كبيرًا في طبقات الصحابة والتابعين، والخالفين إلى وقته فأجاد فيه وأحسن. وقال حاجي خليفة: كتاب الطبقات أعظم ما صُنف في طبقات الرواة.
عمل مقارنة بين كتاب "الطبقات" لابن سعد وكتاب "الطبقات" لمعاصره خليفة خياط:
يشترك كتاب ابن سعد وكتاب خليفة خياط في النقاط التالية:
1. أن أساس ترتيب الكتابين على الطبقات واحدٌ في الجملة.
2. أن اعتبار توزيع الطبقات في الكتابين على اعتبار اللقي بين الصحابة والتابعين، فكبار التابعين هم الذين رووا عن كبار الصحابة ذوي السابقة والفضل، وصغار التابعين هم الذين رووا عن صغار الصحابة، وهكذا..
3. الاهتمام بالأنساب والرجوع بها – في جيل الصحابة - إلى ما قبل الإسلام.
4. ترتيب الصحابة على النسب بدءًا برهط رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم ثم سائر فروع قريش..
5. أنَّ كلا منهما ذكر الصحابة الذين تفرقوا في الأمصار عندما يترجم لعلماء كل مصر حيث يقدم لتراجم كل مصر بذر من نزله من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ويمتاز كتاب ابن سعد على كتاب خليفة خياط بما يلي:
1. جعل ابن سعد الصحابة خمس طبقات في حين جعلهم خليفة طبقة واحدة؛ والسبب أن ابن سعد اعتبر في تقسيمهم سابقتهم في الإسلام وفضلهم، أما خليفة فلم يعتبر شرطًا سوى كونهم صحابة اشتركوا في صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
2. يُطيل ابن سعد الترجمة – غالبًا – أكثر من خليفة بن خياط، وخاصة في طبقات الصحابة والتابعين.
3. يستعمل ابن سعد ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل، بينما لا يفعل ذلك خليفة خياط.
4. يذكر ابن سعد بعض تلامذة وشيوخ المترجم ويذكر بعض أخباره وأحواله في حين لا نجد شيئًا من ذلك في كتاب خليفة بن خياط.
5. خصَّص ابن سعد قسمًا للسيرة النبوية والمغازي، ولم يفعل ذلك خليفة بن خياط.
طبعات الكتاب:
طبع في ليدن بثمان مجلدات وأضيفت إليه الفهارس في مجلد تاسع، ثم طبع في بيروت على ضوء طبعة ليدن، وجرد من التحقيقات والشروح. كما طبع في دار التحرير بمصر اعتمادًا على الطبعة الأولى أيضًا.
وطبع في دار صادر – بيروت، سنة (1968م) بتحقيق: إحسان عباس، في ثمانية مجلدات.
وطبع القسم المتمم لتابعي أهل المدينة ومن بعدهم، في رسالة علمية بتحقيق: د. زياد منصور، ونشرته مكتبة العلوم والحكم، سنة (1408هـ)
وطبع القسم الذي يتضمن الطبقة الرابعة من الصحابة بتحقيق: د. عبدالعزيز عبدالله السلومي، ونُشِر في مكتبة الصديق. وطبعت الطبقة الخامسة من الصحابة بتحقيق: د. محمد السلمي سنة (1993م)
وطبع الكتاب في دار الكتب العلمية سنة (1990م)
وطبع في مكتبة الخانجي بالقاهرة بتحقيق: د. علي محمد عمر، سنة (1421هـ) وصدر في (11) جزءًا. ولعل هذه الأخيرة هي أكمل طبعات الكتاب وأجودها، والله أعلم.
* المصدر: الجمعية السعودية للسنة وعلومها.
طباعة
ارسال