ترجمة موجزة لأبي جعفر محمد بن عمرو العُقيلي
اسمه ونسبه ونسبته وكنيته:
هو الإمام الحافظ أبو جعفر محمد بن عمرو موسى بن حماد العُقيلي – بضم العين المهملة وفتح القاف- نسبةً إلى عُقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر. كما في "الأنساب" للسمعاني (9/22)
عقيدته:
الذي يظهر أنَّ الحافظ العقيلي على معتقد أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات وفي غيرها من أبواب العقيدة، وذلك لأنَّ كتابه مشحونٌ بالكلام على الرواة من سائر الفرق المبتدعة، فكثيرًا ما نجده يقول: "فلان كان يرى رأي الخوارج" أو: "كان غاليًا في التشيُّع" أو: "كان يرى القدر" أو "كان رأسًا في القدر" أو "كان مرجئًا" "كان جهميًا" أو "فيه اعتزال" ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما نقله الحافظ ابن حجر في ترجمة (الحكم بن عبدالله بن مسلم أبي مطيع البلخي الخراساني الفقيه صاحب أبي حنيفة) "لسان الميزان" (3/246- 248): قال: قال العقيلي: كان مرجئًا صالحًا في الحديث إلا أن أهل السنة أمسكوا عن الرواية عنه.
أشهر شيوخه:
قال الذهبي: سمع جده لأمه يزيد بن محمد العقيلي، ومحمد بن إسماعيل الصائغ، وأبا يحيى بن أبي مسرة، ومحمد بن أحمد بن الوليد بن برد الأنطاكي، ويحيى بن أيوب العلاف، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، وإسحاق بن إبراهيم الدبري، وعلي بن عبدالعزيز البغوي، ومحمد بن خزيمة، ومحمد بن موسى البلخي صاحب عبيدالله بن موسى، وخلقًا كثيرًا.
أشهر تلامذته:
حدث عنه: أبو الحسن محمد بن نافع بن أحمد الخزاعي المكي، ويوسف بن الدخيل المصري، وأبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن زاذان الأصبهاني الشهير بابن المقرئ، ومسلمة بن القاسم بن إبراهيم بن عبدالله القرطبي، وآخرون.
مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:
قال مسلمة بن القاسم: كان العقيلي جليل القدر عظيم الخطر ما رأيت مثله، وكان كثير التصانيف، فكان من أتاه من المحدثين قال: اقرأ من كتابك؛ ولا يخرج أصله فتكلمنا في ذلك, وقلنا: إما أن يكون من أحفظ الناس وإما أن يكون من أكذب الناس؛ فاجتمعنا عليه فلما أتيت بالزيادة والنقص فَطِنَ لذلك فأخَذَ مني الكتاب وأخذ القلم فأصلحها من حفظه، فانصرفنا من عنده، وقد طابت أنفسنا، وعلمنا أنه من أحفظ الناس.
وقال الحافظ أبو الحسن بن سهل القطان: أبو جعفر ثقة جليل القدر عالم بالحديث مُقدَّمٌ في الحفظ.
وقال السيوطي: صاحب كتاب "الضعفاء" جليل القدر، عظيم الخطر، كثير التصانيف، مُقدَّم في الحفظ، عالمٌ بالحديث، ثقة. "طبقات الحفاظ" (ص 348)
مؤلفاته:
مما ذُكر من مؤلفاته – بالإضافة إلى هذا الكتاب -:
1- معرفة الصحابة، وقد عزى له ابن عبدالبر في "الاستيعاب"، والحافظ ابن حجر في مواضع كثيرة من "الإصابة"
2- له كتاب "العلل" ذكره العقيلي نفسه في ترجمة (الهيثم بن الأشعث) - بعد أن ذكر حديثًا من طريقه -: وفيه اختلاف واضطراب سنأتيه على تمامه في كتاب "العلل" إن شاء الله. "الضعفاء" (4/351)
3- كتاب "الجرح والتعديل" نسبه له جمع من العلماء؛ كعلاء الدين مغلطاي في "إكمال تهذيب الكمال" والذهبي في "العبر".
4- كتاب "أصبهان" ذكره أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" (1/252)
5- كتاب "التاريخ الكبير"
وفاته:
توفي رحمه الله تعالى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة. كما في "تذكرة الحفاظ" (3/37)
2- دراسة مختصرة عن كتاب "الضعفاء" لأبي جعفر العقيلي
اسم الكتاب:
طُبع الكتاب في دار الكتب العلمية باسم"الضعفاء الكبير"، وطُبع في دار الصميعي باسم: " كتاب الضعفاء، ومن نُسبَ إلى الكذب ووضع الحديث، ومن غَلَبَ على حديثه الوهم، ومن يُتهم في بعض حديثهِ، ومجهول روى ما لا يتابع عليه، وصاحب بدعة يغلو فيها ويدعو إليها، وإن كانت حاله في الحديث مستقيمة" وهذا الاسم هو الاسم الصحيح؛ لأنه موافقٌ لما في النسخة الخطية، وقد نصَّ محقق طبعة دار الكتب العليمة (د. عبدالمعطي قلعجي) على هذا فقال: واسم الكتاب حسب تسمية المصنف.. ثم ذكره، وما دام الأمر كذلك فلا أدري لِمَ لَمْ يثبت العنوان الصحيح على غلاف الكتاب ؟.
توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف:
ثبوت نسبة هذا الكتاب للإمام العقيلي أمرٌ ظاهرٌ لا شكَّ فيه ولا ريب، ومما يؤكِّد ذلك ما يلي:
1- الاستفاضة والشهرة التي هي من أقوى الأدلة على ثبوت نسبة أي كتاب إلى مؤلفه؛ فقد اشتهر هذا الكتاب بنسبته إلى العقيلي، حتى لا يكاد يخالف في ذلك أحد، حتى أنَّ أكثر من يذكر العقيلي يقول: صاحب كتاب "الضعفاء".
2- أنَّ كلَّ من جاء بعد العقيلي ممن كتب في تراجم الرجال قد استفاد منه، وعزى له، كالخطيب البغدادي، وابن عساكر، وعبدالحق الإشبيلي، وابن الجوزي، والمزي، والزيلعي، والذهبي، وابن حجر، وغيرهم .
3- ذكر الأئمة لهذا الكتاب في مصنفاتهم، وعزوهم تضعيف الرواة إلى العقيلي.
4- أنَّ العلماء الذين ترجموا للعقيلي، كالذهبي في "سير أعلام النبلاء"، وفي "تذكرة الحفاظ" قد ذكروا كتاب "الضعفاء" ضمن مؤلفات العقيلي، بل عدُّوه في أوائل مؤلفاته.
5- وكذلك فقد نسبه له أصحاب كتب الفهارس والأثبات، كالحافظ ابن حجر في "المعجم المفهرس" (ص 261 رقم 661)، وابن بشكوال في "صلة الخلف"، والكتاني في "الرسالة المستظرفة"، وغيرهم.
موضوع الكتاب:
موضوع الكتاب واضحٌ كما هو في الاسم الصحيح للكتاب: : "الضعفاء، ومن نُسبَ إلى الكذب ووضع الحديث، ومن غَلَبَ على حديثه الوهم، ومن يُتهم في بعض حديثهِ، ومجهول روى ما لا يتابع عليه، وصاحب بدعة يغلو فيها ويدعو إليها، وإن كانت حاله في الحديث مستقيمة"
وقد بدأ المؤلف كتابه هذا بمقدّمةٍ وافية، وذكر فيها: باب تبيّن أحوال من نقل عنه الحديث ممن لم ينقل على صحته. وذكر في هذا الباب طبقات الرواة من حيث الحفظ والإتقان، وذكر وجوب الكشف عن حال الضعفاء والكذابين ذبًّا عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأورد فيه من الآثار عن أئمة السلف وأصحاب الحديث ما يشهد للمعنى الذي قصده، وتخلَّل ذلك بعض الأحاديث في الحث على حفظ العلم، وأشار إلى أنَّ روايات الصالحين والزُّهَّاد مظنَّةٌ للأحاديث الضعيفة والواهية، ثم شرع في مقصود كتابه؛ وهو تراجم الرواة الضعفاء مرتبين على حروف المعجم.
منهج العقيلي في كتاب "الضعفاء":
لم يبيّن المؤلف رحمه الله منهجه في كتابه هذا ولم ينص عليه، ولذلك يمكن الكلام عن منهجه من خلال صنيعه في الكتاب على النحو التالي:
1. قدَّم المؤلف لكتابه بمقدِّمة نفيسة في بيان أحوال من نُقِل عنه الحديث ممن لم ينقل، كما سبق.
2. رتَّب المؤلف كتابه على حروف المعجم مراعيًا في ترتيبه الحرف الأول فقط من كل اسم، فنجده مثلاً ذكر: أنس ثم أسد ثم أسيد ثم أشعث ثم إياس ثم أمية ثم أبان.. ثم باب إسماعيل ثم باب إسحاق.. وهكذا.
3. يذكر المؤلف في الترجمة: اسم الراوي ونسبه ونسبته، ولا يُطيل في ذلك غالبًا، ونادرًا ما يذكر الشيوخ والتلاميذ، ولا ينص على سنة وفاة المترجم.
4. تتفاوت تراجم الرواة عند العقيلي طولاً وقِصَرًا بحسب حال الراوي والكلام فيه، وكثر أحاديثه، ففي حين أن ترجمة (أبان بن جبلة الكوفي) لم تتجاوز سطرين، نجد ترجمة (أبان بن أبي عياش البصري) قد تجاوزت أربع صفحات، وترجمة (جابر الجعفي) قريبٌ من خمس صفحات بحسب المطبوع.
5. غالبًا ما يذكر حكمه على الراوي قبل أن ينقل أقوال الأئمة فيه، فيُصدِّر الكلام على الراوي - بعد ذكر اسمه ونسبته ونسبه - بحكمه المختصر على الراوي؛ كأن يقول: لا يُتابع على حديثه، أو منكر الحديث، أو غير ذلك. ثم يسوق أقوال الأئمة في الراوي بإسناده إليهم، وربما ذكر أقوال الأئمة من غير أن يحكم هو على الراوي مُكتفيًا بكلامهم ومُقرًّا لهم، ويُلاحظ كثرة نقوله في هذا الكتاب عن الإمام البخاري، فقد نقل عنه في أكثر من ستمائة موضع.
6. ثم يسوق العقيلي الأحاديث المُستنكرة على الراوي، ويبيِّن علتها، فكثيرًا ما نجده يقول: وهذا المتن بهذا الإسناد منكر، أو يقول: ولا يُتابع عليه، أو يقول: غير محفوظ، أو غير ذلك، وكتاب العقيلي مليءٌ بالصناعة الحديثية وبيان العلل، كما لا يخفى على المتخصصين.
7. ولا يقتصر العقيلي على بيان ضعف أسانيد الأحاديث التي يوردها في ترجمة الراوي فحسب، بل يُنبِّه على المتن إذا كان صحيحًا أو ضعيفًا؛ فمن أمثلة تنبيهه على ضعف المتن: قوله في ترجمة (أيوب بن واقد أبي الحسن الكوفي) قال: ومن حديثه، ما حدثنا به محمد بن عبدالله الحضرمي، قال: حدثنا سليمان بن داود المنقري، قال: حدثنا أيوب بن واقد عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُفارقه في الحضر ولا في السفر خمسة: المرآة والمِكْحَلة والمشط والسِّوَاك والمدرا" قال: ولا يُتابع عليه ولا يحفظ هذا المتن بإسناد جيد. "الضعفاء" (1/115)، والأمثلة على ضعف المتن كثيرة جدًا في الكتاب كما لا يخفى، ومن أمثلة تنبيهه على صحة المتن: قوله في ترجمة (أسامة بن زيد الليثي مولاهم المدني): حدثناه محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا الحسن بن علي الحلواني، قال: حدثنا أبو أسامة، وحدثنا موسى بن إسحاق، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع جميعًا عن أسامة بن زيد عن عطاء، قال: حدثني جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "جمعٌ كلها موقف، وعرفة كلها موقف، ومنى كلها منحر، وكلُّ فِجاج مكة طريق ومنحر" وإن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: حلقتُ قبل أن أرمي ! فقال: "إرمِ ولا حرج" وقال آخر: أفضت قبل أن أرمي ! فقال: "إرمِ ولا حرج" واللفظ للصائغ. قال أبو جعفر: وهذا المتن عن النبي صلى الله عليه وسلم ثابتٌ بغير هذا الإسناد. "الضعفاء" (1/19)، وكذلك في ترجمة (الهيثم بن قيس العيشي) قال: ولا يصحُّ حديثه من هذا الطريق، وأما المتن فثابتٌ من غير هذا الوجه؛ حدثنا إبراهيم بن محمد، قال: حدثنا قرة بن حبيب، قال: حدثنا الهيثم ابن قيس العيشي، قال: حدثنا عبدالله بن مسلم بن يسار، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المسح على الخفين: "ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، وللمقيم يوم وليلة". "الضعفاء" (4/354)
8. وربما بيَّن الحافظ العقيلي ضعف أحاديث الباب كلها، أو أنه لا يصحُّ في الباب شيء، أو لا يصحُّ في هذا المتن شيءٌ، ومن أمثلة ذلك: في ترجمة (أشعث بن سوار الكوفي) قال: ومن حديث أشعث بن سوَّار ما حدثناه محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس، قال: حدثنا علي بن جعفر بن زياد الأحمر، قال: حدثنا عبدالرحيم بن سليمان عن أشعث بن سوَّار عن الحسن، عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأذنان من الرأس". قال أبو جعفر: لا يُتابع عليه، والأسانيد في هذا الباب ليِّنة. "الضعفاء" (1/31)، ومثال آخر: في ترجمة (عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد الهمداني) ذكر حديث: "أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها" ثم قال: وهذا الحديث، حدثناه محمد بن هشام، قال: حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد، قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها" ولا يصح في هذا المتن حديث. "الضعفاء" (3/149)
9. زاد الحافظ العُقيلي عما يشمله عنوان كتابه: ذكر الرواة الثقات الذين قد تفرَّدوا بمناكير، أو طرأ عليهم سوء حفظ أو تغيُّر، أو اختلاط، أو وقعوا ببدعة. مما جعل الأئمة الذين جاؤوا بعده يتعقَّبوه في ذلك ويُشنِّعوا عليه، ويُشدِّدوا النكير على صنيعه هذا كما سيأتي بيانه في مبحث المآخذ.
أهمية الكتاب ومزاياه:
لقد تميَّز كتاب "الضعفاء" بميزات كثيرة قلَّ أن تكون لغيره، ومن أهم هذه الميزات:
1- مكانة المؤلف العلمية؛ فالعقيلي إمام حافظ من العلماء النقاد الذين جمعوا بين الرواية والدراية في هذا الفن، وهذا ظاهرٌ في كتابه هذا.
2- ثناء العلماء على هذا الكتاب، ومن ذلك: قال الذهبيُّ: "والعقيلي وله مصنف مفيد في معرفة الضعفاء". "الميزان" (1/112)، وقال ابن ناصر الدين: له مصنفات خطيرة، منها كتابه "الضعفاء الكبير" كما في "الأعلام" للزركلي (6/319)، وقال خليل الصفدي: له مصنف جليل في "الضعفاء". "الوافي بالوفيات" (4/291)
3- أنَّ هذا الكتاب مليءٌ بالأحكام على الأحاديث تصحيحًا أو تضعيفًا، ومن الأمثلة التي فيها التصحيح والتضعيف: قال في ترجمة (أيوب بن سيار الزهري أبو سيار): ومن حديثه؛ ما حدثنا به محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا شاببة، قال: حدثنا أيوب بن سيار، قال: حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله عن أبي بكر الصديق عن بلال عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أصبحوا بصلاة الصبح فإنه أعظم للأجر"، وحدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا داود بن مهران الدباغ، قال: حدثنا أيوب بن سيار عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله عن بلال قال: أذَّنت في ليلة باردة شديدة لبردها فلم يأتِ أحدٌ ثم أذَّنت ثانيةً فلم يأتِ أحدٌ ثم أذَّنت ثالثةً فلم يأتِ أحدٌ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مالهم يا بلال؟!" قلت: كَبَّدهم البرد. فقال: "اللهم اكسر عنهم البرد" قال بلال: فلقد رأيتهم يتروَّحون في الصبح، أو قال: في الضحى. قال العقيلي: ليس لإسنادهما جميعًا أصلٌ، ولا يُتابع عليهما؛ فأما متن الحديث الأول في الإسفار بالفجر فيروى عن رافع بن خديج بإسناد جيِّد، والثاني: فليس بمحفوظ إسناده ولا متنه. "الضعفاء" (1/112)، وصناعة العلل واضحة في كتابه هذا.
4- أنَّ الإمام العقيلي لا يكتفي بإيراد الأحاديث الضعيفة والموضوعة في الكتاب فحسب، بل يذكر أحيانًا أنه لا يصحُّ في هذا الباب شيءٍ، ومن أمثلة ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هديةً، وعنده أربعة نفر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجلسائه: "أنتم شركائي فيها، إن الهدية إذا أهديت إلى الرجل وعنده جلساءه فهم شركاؤه فيها" قال العقيلي: لا يصحُّ في هذا المتن حديث. نقله ابن حجر في "لسان الميزان" (2/333)، ومن أمثلة اطلاعه على الثابت من الألفاظ وغير الثابت: في ترجمة (محمد بن الفضيل بن غزوان الضبي) قال: حدثنا محمد بن أحمد بن جعفر الوكيعي، حدثنا أحمد بن عمران الأخنسي، قال: سألت محمد بن فضيل فحدثني عن الأعمش، عن أبي سفيان عن جابر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أنَّ لابن آدم واديًا من نخلٍ لطلب مثله ومثله، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب" فقال العقيلي: ولا يُتابع على هذه اللفظة: "وادي من نخل"، والرواية في هذا الباب ثابتة من غير هذا الوجه: "لو أنَّ لابن آدم واديين من مال". "الضعفاء" (4/118)
5- كما أنه يذكر الأحاديث الصحيحة البديلة عن هذه الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ومن أمثلة ذلك: قال في ترجمة (درست بن حمزة البصري): .. وهذا الحديث، حدثناه محمد بن زكريا البلخي، قال: حدثنا خليفة بن خياط، قال: حدثنا درست بن حمزة، قال: حدثنا مطر الوراق عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبدين متحابَّين في الله استقبل أحدهما صاحبه فيتصافحان ويصليان على النبي صلى الله عليه وسلم إلا لم يفترقا حتى يغفر لهما" وقد روى بإسناد آخر فيه لين أيضًا، وأما الرواية في المتحابين في الله ففيهما أحاديث صالحة الإسناد بخلاف هذا اللفظ. "الضعفاء" (2/45)
6- أنَّ الأئمة الذين صنفوا في تراجم الرواة من بعد الحافظ العقيلي قد استفادوا منه كثيرًا ونقلوا كلامه، واعتمدوا عليه في كثير من الأحيان، وبخاصة المزي والذهبي وابن حجر.
المآخذ على الكتاب:
قد أُخذ على الحافظ العقيلي في هذا الكتاب أشياء يسيرة لا تحطُّ من قدر المؤلف ولا الكتاب، ومن ذلك:
1. إيراده لبعض الأئمة الثقات في كتابه هذا، ومن أمثلة ذلك: إيراده للإمام الحافظ الحجة علي بن المديني، مما جعل الذهبي يتعقَّبه ويُشدِّد النكير عليه بقوله: ذكره العقيلي في كتاب "الضعفاء" فبئس ما صنع، فقال: جنح إلى ابن أبي دواد والجهمية. وحديثه مستقيم إن شاء الله.. وقد بدت منه هفوة ثم تاب منها، وهذا أبو عبدالله البخاري - وناهيك به - قد شحن صحيحه بحديث علي بن المديني، وقال: ما استصغرت نفسي بين يدي أحد إلا بين يدي علي بن المديني، ولو تركت حديث علي، وصاحبه محمد، وشيخه عبد الرزاق، وعثمان بن أبي شيبة، وإبراهيم بن سعد، وعفان، وأبان العطار، وإسرائيل، وأزهر السمان، وبهز بن أسد، وثابت البناني، وجرير بن عبدالحميد، لغلقنا الباب، وانقطع الخطاب، ولماتت الآثار، واستولت الزنادقة، ولخرج الدجال. أفما لكَ عقلٌ يا عُقيلي، أتدري فيمن تتكلَّم، وإنما تبعناك في ذكر هذا النمط لنذبَّ عنهم ولنزيفَ ما قيل فيهم، كأنك لا تدري أن كل واحدٍ من هؤلاء أوثق منك بطبقات، بل وأوثق من ثقات كثيرين لم توردهم في كتابك، فهذا مما لا يرتاب فيه محدث، وأنا أشتهي أن تعرفني من هو الثقة الثبت الذي ما غلط ولا انفرد بما لا يتابع عليه ؟ !! "ميزان الاعتدال" (3/138)، وكذلك فقد أورد في "الضعفاء" (1/131): إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وقال: مختلف فيه. مع أنه ثقة حافظ. وكذلك أورد فيه أيضًا (1/132): أزهر بن سعد السمان، مع أنه ثقة. فعلَّق الذهبي بقوله: ثقة مشهور.. تناكد العقيلي بإيراده في كتاب "الضعفاء"، وما ذكر فيه أكثر من قول أحمد بن حنبل: ابن أبي عدي أحبُّ إليَّ من أزهر السمان. "ميزان الاعتدال" (1/172)، وكذلك عدَّ في "الضعفاء" (2/111): سعيد بن أبي عروبة، مع أنه ثقة مشهور. وكذا عدَّ فيه (عبدالرحمن بن أبي ليلى)، فقال الذهبي: من أئمة التابعين وثقاتهم، ذكره العقيلي في كتابه متعلقًا بقول إبراهيم النخعي فيه: كان صاحب أمراء. وبمثل هذا لا يُليَّن الثقة. "ميزان الاعتدال" (2/584)، وكذلك إيراده لجرير بن عبدالحميد الضبي في "الضعفاء" (1/200)، والأمثلة على ذلك كثيرة.
2. إيراده لبعض الرواة الثقات وجرحه لهم بما لا يقدح فيهم، ومن أمثلة ذلك: إيراده ليوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق الهمداني، وقال عنه: يخالف في حديثه. "الضعفاء" (4/451) فتعقَّبه ابن حجر بقوله: قلت: وهذا جرحٌ مردودٌ، وقد احتجَّ به الجماعة. وكان قد قال قبلها: قال ابن عيينة: لم يكن في ولد أبي إسحاق أحفظ منه، وقال ابن حبان في "الثقات": مستقيم الحديث قليله، ووثقه الدارقطني. "هدي الساري" (1/455)
تنبيهان:
1- كثيرًا ما يجد الباحث نقولاً عن العقيلي في "الضعفاء" ولا يجدها في المطبوع، فلعلَّ ذلك بسبب كثرة النسخ لهذا الكتاب وتغايرها، وهذا الأمر موجودٌ من قديم؛ فقد قال الذهبي في ترجمة (سليمان بن كران أبو داود الطفاوي): قال عبدالحق في السواك من "أحكامه الكبرى": هو ابن كران - براء خفيفة ونون - قال: وهو بصري، لا بأس به. قلت: وكذا هو عندي بالنون في "الضعفاء" للعقيلي، وهي نسخة عتيقة، وبعضهم ضبطه كرَّاز - براء مثقلة وزاي - قال أبو الحسن بن القطان ذلك وصوبه، فالله أعلم. "ميزان الاعتدال" (2/221)، وقال الحافظ ابن حجر: وكذا رأيته في نسخة أخرى من ضعفاء العقيلي بضبط العلم بزاي لا نون. "لسان الميزان" (4/169- 170)
2- أنَّ بعض ما تُعُقِّب به الحافظ العقيلي ربما كان الحقُّ معه، فينبغي على طالب العلم المنصف أن يُدقِّق في الأمر، ومن أمثلة ذلك: أنَّ العقيلي قد أور في "الضعفاء" (1/270): حرمي بن عمارة بن أبي حفصة، فنقل عن أحمد بن حنبل أنه قال كلامًا معناه أنه صدوق، ولكن كانت فيه غفلة، وقال: وقال علي أيضًا: يحدث عنه حديثا آخر، منكر، في الحوض، عن حارثة بن وهب. فتعقَّبه الذهبي بقوله: وذكره العقيلي في "الضعفاء" فأساء. "ميزان الاعتدال" (1/474) فهذا التعقُّب من الذهبي غير مُسلَّم، وقد قال مُغلطاي في ترجمة حرمي بن عمارة: وتوهَّم بعض المتأخرين من المصنفين أنَّ العقيلي أساء بذكره إياه في "الضعفاء"، وهو غير جيد، لأنَّ من كانت فيه غفلة كان جديرًا في الضعفاء، لاسيما مِن مِثل أبي عبدالله أحمد بن حنبل. "إكمال تهذيب الكمال" (4/38)، وكذلك من الأمثلة على ذلك: أنَّ بعض من أوردهم العُقيلي في "الضعفاء" وتعقَّبه الذهبي وغيره، يكون العُقيلي مسبوقًا إلى تضعيفهم من غيره من الأئمة النقَّاد. على أنَّ ذلك لا يمنع أنَّ في الحافظ العُقيلي شيئًا من الشدة في الجرح.
عناية العلماء والباحثين بالكتاب:
1- قام أحد الباحثين في جامعة الإمام محمد بن سعود بعمل دراسة بعنوان: "الأحاديثُ التي أعلها العُقيليّ في كتابهِ الضعفاء".
2- وللباحث محمد بن عبدالعزيز الفراج رسالة دكتوراه مقدمة إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعنوان: "الأحاديث التي ذكر العقيلي فيها اختلافًا في "الضعفاء" ومنهجه في الحكم عليها جمعًا وتخريجًا ودراسةً.
3- وقام الباحث عبدالإله باقطيان، بعمل رسالة ماجستير، في جامعة أم القرى بعنوان "الحافظ العقيليّ ومنهجه في كتاب الضعفاء الكير" سنة (1411هـ)، بإشراف: د. محمد محمد الشريف.
4- وللباحث سلطان بن سعد بن عبدالله بن سيف رسالة ماجستير بعنوان: "ألفاظ الحافظ العقيلي الصريحة في قبول الأحاديث في كتابه "الضعفاء" جمع ودراسة، مقدمة إلى جامعة الملك سعود، سنة 1427هـ، بإشراف: د. علي بن عبدالله الصياح.
5- وقام (كامل عويضة) باستخراج كتاب "المسند الضعيف" من كتاب "الضعفاء" للعقيلي. وقد بلغ عدد أحاديث هذا الكتاب سبعمائة وخمس وخمسين.
6- وقام الباحث (عبدالله حافظ) بتحقيق الكتاب، وقدَّمه كرسالة دكتوراه في جامعة الأزهر، ولكنه لم يطبعه إلى الآن. كما في رسالة الباحث (عبدالإله باقطيان): "الحافظ العقيلي ومنهجه في كتاب "الضعفاء"
طبعات الكتاب:
طبع الكتاب بتحقيق عبدالمعطي قلعجي، ونشرته دار الكتب العلمية- بيروت، الطبعة الأولى 1404هـ، في أربع مجلدات. وهذه الطبعة هي التي اعتمدتُ عليها في الإحالات في هذا البحث.
وطبع بتحقيق: حمدي عبدالمجيد السلفي، ونشرته دار الصميعي، الطبعة الأولى سنة (1420هـ) في أربع مجلدات.
وطُبِع أخيرًا بتحقيق: د. مازن السرساوي، ولعلَّ هذه الأخيرة هي أحسن طبعات الكتاب، وقد قدَّم لهذه الطبع: فضيلة الشيخ أبو إسحاق الحويني، وفضيلة الشيخ أحمد معبد عبدالكريم.
* المصدر: الجمعية السعودية للسنة وعلومها.
طباعة
ارسال