اسم الكتاب:
"الإصابة في تمييز الصحابة"، وهذا الاسم موجودٌ على ظهر عدد من النسخ الخطية للكتاب، وقد سمَّاه المؤلف نفسه بهذا الاسم، كما في "فتح الباري" (12/32) حيث قال: وقد أوضحتُ ذلك في "الإصابة في تمييز الصحابة". وكذا سمَّاه بهذا الاسم عدد من العلماء الذين نسبوا الكتاب للمؤلف.
وبعضهم يُسمِّيه "الإصابة في معرفة الصحابة"، وبعضهم يُسميه: "الإصابة في أسماء الصحابة"، والعنوان الأول هو الأكثر دلالة على مضمون الكتاب، فقد قصد الحافظ بهذا الكتاب تمييز الصحابة من غيرهم، وتبيين من ذُكر معهم وليس منهم.
توثيق نسبته للمؤلف:
1. الاستفاضة والشهرة، بل قد بلغ الأمر حدَّ التواتر في معرفة نسبة هذا الكتاب إلى الحافظ ابن حجر، ولا أدلَّ على ذلك من كثرة نسخه الخطية، وكثرة مختصراته كما سيأتي في مبحث: عناية العلماء بالكتاب.
2. أنَّ المؤلف قد عزا لهذا وأحال عليه الكتاب في كتبه الأخرى، ومن ذلك كتابه "تعجيل المنفعة"، فقال في ترجمة (شرحبيل بن أوس، ويقال: إنه أوس بن شرحبيل الكندي): .. والذي ترجح عندي في الإصابة إنهما اثنان. "تعجيل المنفعة" (1/641)، وقال في ترجمة (صُحَار - بضم أوله وتخفيف المهملة - ابن العباس ابن صخر بن شراحيل بن منقذ بن عمرو بن مرة العبدي): وقد بسطتُ ترجمته في كتاب "الإصابة" وفيها أن الحكم بن عمرو بعثه بشيرًا بفتح مكران إلى عمر، فسأله عنها فقال: سهلها جبل وماؤها وشل وثمرها دقل وعدوها بطل، فقال: لا يغزوها جيش ما بقيت. "تعجيل المنفعة"(1/659)، قلت: وهذا النص موجود في "الإصابة" (3/410)، وكذلك عزا له في "تهذيب التهذيب"، فقال في ترجمة (حنش بن المعتمر، ويقال: ابن ربيعة الكناني): وذكره ابن منده وأبو نعيم في الصحابة لكونه أرسل حديثًا، وقد بينتُ ذلك في كتابي "الإصابة". "تهذيب التهذيب" (3/52)، وكذلك قوله: وبينتُ ذلك في ترجمة جابر بن عتيك من كتاب "الإصابة". "تهذيب التهذيب" (5/147)، وعزا للإصابة في مواضع أخرى كثيرة من "تهذيب التهذيب"، وكذلك عزا له في "اللسان" فقال في ترجمة (أيفع بن عبد الكلاعي): .. وقد غلط فيه بعضهم فعده في الصحابة، وقد بينته في كتاب "الإصابة". "لسان الميزان" (2/233) وفي مواضع أخرى متفرقة. وعزا له أيضًا في كتاب "تبصير المنتبه بتحرير المشتبه" فقال: نبهنا عليه في كتاب "الإصابة في تمييز الصحابة". "تبصير المنتبه بتحرير المشتبه" (3/964)
3. نسبه له العلماء الذين ترجموا له، كتقي الدين الفاسي في "ذيل التقييد في رواة السنن والأسانيد" (1/354) وقال: سمَّاه "الإصابة في أسماء الصحابة"، والسخاوي في "الجواهر والدرر" (2/680), وقال: في خمس مجلدات, ونسبه له السيوطي في "ذيل طبقات الحفاظ" (ص 251)، وابن فهد في "لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ" (ص 213)
4. نسبه له عددٌ من العلماء في كتبهم، كالسيوطي حيث قال: ولشيخ الإسلام في ذلك "الإصابة في تمييز الصحابة" كتاب حافل، وقد اختصرته ولله الحمد. "تدريب الراوي" (2/208)، وملا قاري في "شرح نخبة الفكر" (ص 586)، والسخاوي في مواضع متفرقة من "فتح المغيث"، والصنعاني في "توضيح الأفكار" (2/246)، و(2/249) وفي مواضع أخرى.
5. نسبه له أصحاب كتب الفهارس والأثبات، كحاجي خليفة في "كشف الظنون" (1/106), والكتاني في "الرسالة المستطرفة" (ص 204)
وصف الكتاب ومحتواه وسبب تأليفه:
جمع فيه المؤلف أسماء الصحابة، مرتبين على حروف المعجم، وقد بدأ الكتاب بمقدمةٍ ذكر فيها فضل علم الحديث، وأنَّ أجل أنواع علوم الحديث معرفة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتمييزهم عمن بعدهم، ثم ذكر أهم وأشهر الكتب المؤلفة في هذا النوع من أنواع علوم الحديث إلى أن قال: إلى أن كان في أوائل القرن السابع فجمع عز الدين بن الأثير كتابًا حافلا سماه "أسد الغابة" جمع فيه كثيرًا من التصانيف المتقدمة, إلا أنه تبع من قبله, فخلط من ليس صحابيًا بهم, وأغفل كثيرًا من التنبيه على كثير من الأوهام الواقعة في كتبهم, ثم جرَّد الأسماء التي في كتابه مع زيادات عليها الحافظ أبو عبدالله الذهبي, وأعلم لمن ذكر غلطًا, ولمن لا تصح صحبته, ولم يستوعب ذلك ولا قارب، وقد وقع لي فيه بالتتبع كثير من الأسماء التي ليست في كتابه, ولا أصله على شرطهما, فجمعت كتابًا كبيرًا في ذلك ميَّزتُ فيه الصحابة من غيرهم, ومع ذلك فلم يحصل لنا من ذلك جميعًا الوقوف على العشر من أسامي الصحابة, بالنسبة إلى ما جاء عن أبي زرعة الرازي قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان, من رجل وامرأة, كلهم قد روى عنه سماعًا أو رؤية. قال ابن فتحون في "ذيل الاستيعاب" بعد أن ذكر ذلك أجاب أبو زرعة بهذا سؤال من سأله عن الرواة خاصة, فكيف بغيرهم, ومع هذا فجميع من في "الاستيعاب" يعني فمن ذكر فيه باسم وكنية, وهما ثلاثة آلاف وخمسمائة, وذكر أنه استدرك عليه على شرطه قريبًا ممن ذكر.
قلت: وقرأت بخط الحافظ الذهبي من ظهر كتابه "التجريد": لعلَّ الجميع ثمانية آلاف, إن لم يزيدوا لم ينقصوا, ثم رأيت بخطه أن جميع من في "أسد الغابة" سبعة آلاف وخمسمائة وأربعة وخمسون نفسًا. ومما يؤيِّد قول أبي زرعة ما ثبت في الصحيحين عن كعب بن مالك في قصة تبوك: (والناس كثيرٌ لا يحصيهم ديوان)، وثبت عن الثوري فيما أخرجه الخطيب بسنده الصحيح إليه قال: من قَدَّمَ عليًّا على عثمان فقد أزرى على اثني عشر ألفًا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض. فقال النووي: وذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم باثني عشر عامًا بعد أن مات في خلافة أبي بكر في الردة والفتوح الكثير ممن لم يضبط أسماؤهم, ثم مات في خلافة عمر, وفي الطاعون العام وعمواس وغير ذلك ممن لا يحصى كثرة, وسبب خفاء أسماؤهم أن أكثرهم أعراب, وأكثرهم حضروا حجة الوداع, والله أعلم.
وقد كثر السؤال جماعةٍ من الإخوان في تبييضه, فاستخرتُ الله تعالى في ذلك, ورتبته على أربعة أقسام في كل حرف منه:
فالقسم الأول: فيمن وردت صحبته بطريقة الرواية عنه، أو عن غيره، أو وقع ذكره بما يدل على الصحبة بأي طريقٍ كان. وقد كنت أولاً رتبتُ هذا القسم الواحد على ثلاثة أقسام, ثم بدا لي أن أجعله قسمًا واحدًا, وأميِّز ذلك في كلِّ ترجمة.
القسم الثاني: من ذُكِرَ من الصحابة من الأطفال الذين ولدوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لبعض الصحابة من النساء أو الرجال، ممن مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو دون سن التمييز؛ إذ ذكرُ أؤلئك في الصحابة إنما هو على سبيل الإلحاق؛ لغلبة الظن على أنه صلى الله عليه وسلم رآهم، لتوفُّر دواعي أصحابه على إحضارهم أولادهم عند ولادتهم؛ ليحنكهم, ويسميهم, ويُبرِّك عليهم, والأخبار بذلك كثيرة شهيرة... لكنَّ أحاديث هؤلاء عنه من قبيل المراسيل عند المحققين من أهل العلم بالحديث, ولذلك أفردتهم عن أهل القسم الأول.
القسم الثالث: فيمن ذُكر في الكتب المذكورة من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام, ولم يرد في خبر قط أنهم اجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم, ولا رأوه, سواء أسلموا في حياته أم لا, وهؤلاء ليسوا من أصحابه باتفاقٍ من أهل العلم بالحديث, وإن كان بعضُهم قد ذكر بعضَهم في كتبِ معرفةِ الصحابة, فقد أفصحوا بأنهم لم يذكروهم إلا لمقاربتهم لتلك الطبقة, لا أنهم من أهلها... وأحاديث هؤلاء عن النبي صلى الله عليه وآله سلم مرسلةٌ بالاتفاق بين أهل العلم بالحديث, وقد صرَّح ابن عبدالبر نفسه بذلك في "التمهيد" وغيره من كتبه.
القسم الرابع: فيمن ذُكِرَ في الكتب المذكورة على سبيل الوهم والغلط؛ وبيان ذلك البيان الظاهر الذي يُعوَّل عليه على طرائق أهل الحديث, ولم أذكر فيه إلا ما كان الوهم فيه بَيِّنا, وأما مع احتمال عدم الوهم فلا, إلا إن كان ذلك الاحتمال يغلب على الظن بطلانه, وهذا القسم الرابع لا أعلم من سبقني إليه، ولا من حام طائر فكره عليه، وهو الضالة المطلوبة في هذا الباب الزاهر، وزبدة ما يُلخِّصه من هذا الفن اللبيب الماهر، والله تعالى أسأل أن يُعين على إكماله.. وقبل الشروع في الأقسام المذكورة أذكر فصولا مهمة يحتاج إليها في هذا النوع، ثم ذكر الفصل الأول في تعريف الصحابي, والفصل الثاني في الطريق إلى معرفة كون الشخص صحابيًا, والفصل الثالث في بيان حال الصحابة من العدالة...
هذا، وقد بلغ عدد التراجم في هذا الكتاب اثنا عشر ألفًا ومائتين وسبعًا وستين ترجمة، منها تسعة آلاف وأربعمائة وسبعًا وسبعين ترجمة لمن عُرفوا بأسمائهم من الرجال، ومنها ألف ومائتين وثمان وستين ترجمة لمن عُرفوا بكناهم، ومنها ألف وخمسمائة واثنين وعشرين ترجمة لأسماء وكنى النساء.
يعني أنَّ هذا الكتاب يعتبر أربع أضعاف كتاب ابن عبدالبر، إذ كتاب ابن عبدالبر فيه ثلاثة آلاف ونيف، فكتاب الحافظ بلغ أربع أضعاف هذا الكتاب، فلا شك أنه استقصى واطلع كتب الصحابة لأبي نعيم وابن منده وابن الأثير وابن عبدالبر، والذيول التي صُنفت على كتاب ابن عبدالبر؛ كذيل أبي موسى المديني على "الاستيعاب" وغيره من الكتب الكثيرة فجمع كل هذا في هذا الوعاء الضخم الذي هو كتاب "الإصابة في معرفة الصحابة" فهو كتاب جليل القدر جدًا.
هذا ومما يجدر التنبيه عليه أنَّ الحافظ ابن حجر قد كتب أشياء من فصل المبهمات، فقد قال في آخر الكتاب: وكلُّ ذلك قبل كتابة فصل المبهم من الرجال والنساء. "الإصابة" (6/728)، وكثيرًا ما يقول المؤلف في أثناء الكتاب: وسيأتي في المبهمات. وقال ناسخ نسخة دار الكتب المصرية (برقم 228): .. وقد بقي عليه المبهمات، وقيَّد منها كثيرًا، ولكني لم أظفر به الآن، وعسى أن أظفر به إن شاء الله تعالى.
ولكن الذي يظهر أن المؤلف لم يكمله، وقد قال السخاوي - كما في آخر النسخة التركية للكتاب -: آخر كتاب النساء من "الإصابة"، وهو آخر ما وجدته بخط شيخنا شيخ الإسلام حافظ العصر.. وقد بقي عليه المبهمات.. وقال السخاوي أيضًا في "فتح المغيث" (3/93): .. ومات قبل عمل المبهمات وأرجو عملها.
منهج المؤلف في هذا الكتاب:
اتبع المؤلف في كتابه هذا المنهج التالي:
1. قدَّم لكتابه بمقدمة بيَّن فيها فضل علم الحديث وفضل معرفة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتكلم عن منهجه وتقسيمه للكتاب وترتيبه، كما سبق في مبحث وصف الكتاب.
2. رتَّب الكتاب على حروف المعجم، فذكر الأسماء ثم الكنى للرجال، ثم أسماء النساء، ثم كناهن، ثم إنه قسَّم كل حرف إلى أربعة أقسام كما سبق، فينبغي التنبه عند البحث عن أيِّ ترجمة في هذا الكتاب، فمثلاً حمزة بن عبدالمطلب في حرف الحاء، تأتي بحرف الحاء فيقع نصيبك على أول حرف الحاء في القسم الثاني، فلا تجد حمزة، فتذكر القسم الثالث والقسم الرابع، ثم تقول: أنا مررت على حرف الحاء كله ولم أجد الصحابي أين يوجد في الإصابة ؟ نقول: في القسم الأول، هذه طريقة الحافظ - رحمه الله تعالى- فينبغي التنبه لها عند البحث؛ لأنه قد تقع عينك على الحرف من أوله، هو فعلاً أول حرف الحاء لكن لا يوجد فيه ذلك الصحابي لماذا ؟ لأنه تقدم في القسم الأول.
3. ذكر المؤلف في المقدمة فصولاً مهمة يُحتاج إليها في معرفة الصحابة؛ وهي: الفصل الأول في تعريف الصحابي, والفصل الثاني في الطريق إلى معرفة كون الشخص صحابيًا, والفصل الثالث في بيان حال الصحابة من العدالة.
4. يقوم المؤلف - غالبًا - بضبط أسماء المترجمين والألفاظ الغريبة بالحروف.
5. يذكر عمن روى الراوي، ومن روى عنه، فيُبيِّن بذلك مكانة المُترجم، كما في ترجمة أنس بن مالك، حيث ذكر أنَّ أبا هريرة روى عنه رضي الله عنهما، كما أنه يذكر من أخرج حديثه من أصحاب الكتب.
6. يُعيد المؤلف ذكر بعض الأسماء، فيذكر في القسم الأول من ورد اسمه عن الطريق الرواية عنه أو عن غيره حتى لو كان على سبيل الوهم، ثم يذكره في القسم الرابع مبينًا الوهم الحاصل في ذكره في الصحابة، وكذلك إذا كان للمترجم اسمان أو أكثر على سبيل الحقيقة أو الوهم فإنه يذكره في أكثر من موضع ويُحيل في المواضع اللاحقة إلى ما ذكره في المواضع السابقة، ومثال ذلك: في ترجمة (خارجة بن الحمير) قال: ويُقال: حارثة، وهو الأصح، تقدَّم في الحاء المهملة. وكثيرًا ما يكون ذلك إذا كان الرجل المترجم صحابي ابن صحابي، فإنه يُطوِّل في نسب الأب، ويقول في ترجمة الابن: تقدم نسبه في ترجمة أبيه.
7. أكثر المؤلف من الإحالات إلى ما سبق ذكره أو ما سيأتي، ومثال ذلك: في ترجمة (رباح بن القصير اللخمي) ذكره في القسم الأول ثم أعاد ذكره في القسم الثالث وقال: تقدم ذكره في القسم الأول، وهو من هذا القسم على الصحيح.
8. تتفاوت التراجم طولاً وقِصَرًا في هذا الكتاب؛ فربما أطال في بعض التراجم إذا استدعى الأمر ذلك، كما في ترجمة الخضر حيث حشد في ترجمته قدرًا كبيرً من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وناقش الآراء ودلَّل لما يقول.
9. يقتصر المؤلف في إيراد الأحاديث – إذا كانت طويلة - على ما يتعلَّق بالترجمة في إثبات صحبة الصحابي أو إثبات فضيلة له، فيذكر أطراف الأحاديث، أو يقتصر على محل الشاهد.
10. يحكم المؤلف على الأسانيد التي يوردها في كتابه هذا كما هي عادته في سائر كتبه، وفي أحكامه هذه فائدة زائدة هنا؛ وهي التأكُّد من كون المترجم صحابيًا أو ليس بصحابي.
11. كثيرًا ما يُحرِّر المؤلف في المسائل سواءً المتعلقة بإثبات صحبة الصحابي - وهو الأكثر - أو المتعلقة بالنساب، كما في ترجمة أنس بن مالك القشيري، حيث قال: لأنَّ قُشيرًا هو ابن كعب، ولكعب ابنٌ اسمه عبدالله، فهو من إخوة قُشير، لا من قُشير نفسه.
12. كثيرًا ما يذكر المؤلف من وصل أخبارًا معلقة عند علماء آخرين، ومثال ذلك: في ترجمة (أذينة بن سلمة بن الحارث .. العبدي) قال: .. وقال البخاري في "تاريخه": أذينة العبدي، سمع عمر.. فقال الحافظ: وحديثه عن عمر أخرجه عبدالرزاق من طريق الحسن العرني عن عبدالرحمن بن أذينة عن أبيه قال: أتيت عمر فذكر قصته. "الإصابة" (1/41 رقم 67)، ومثال آخر: (سهلة بنت عاصم بن عدي الأنصارية) قال: .. قال أبو عمر: تزوَّجها عبدالرحمن بن عوف، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسهم لها يوم خيبر. قلت – أي الحافظ ابن حجر-: وصله ابن منده من طريق عبدالعزيز بن عمران عن سعيد بن زياد عن حفص بن عمر بن عبدالرحمن بن عوف عن جدته سهلة بنت عاصم قالت: ولدتُ يوم خيبر فسمَّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلة، وقال: "سَهَّل الله أمركم فضرب لي بسهم"، وتزوجني عبدالرحمن بن عوف يوم ولدت. وهو عند الواقدي أيضًا. "الإصابة" (7/717 رقم 11347)
طرق إثبات الصحبة عند المؤلف:
إثبات الصحبة ومعرفة الصحابي من مباحث مصطلح الحديث، وقد صنف في ذلك العلائي كتابًا اسمه "تحقيق منيف الرتبة لمن له شرف الصحبة" وهو من أهم الكتب في معرفة الصحابي.
وللعلماء في تعريف الصحابي مذاهب؛ فبعضهم يقول: الصحابي: من رأى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به ولو مرة واحدة، وهذا قول الجمهور، ويدخل في ذلك الأعمى؛ كابن أم مكتوم.
وبعض أهل العلم يقول: يُشترط لذلك طول الصحبة، يشترط لذلك أن يغزو معه غزوة، أو أن يُلازمه في سفر، أو يجلس معه فترة من الزمن، أو غير ذلك.
وبعضهم اشترط العام، وبعضهم اشترط الغزوة، وهذا منسوب لسعيد بن المسيب - رحمه الله -.
ولكن ما هي طرق إثبات الصحبة ؟
تُعرف الصحبة بالاشتهار، يعني أن يشتهر بين المسلمين كون هذا الرجل صحابيًا أو هذه المرأة صحابية، مثل السابقين الأولين الذين لهم شرف السبْق إلى الإسلام؛ كأبي بكر وعمر وعلي وعثمان وفاطمة وخديجة -رضي الله عنهم-.
أو بالتواتر: أن يتواتر نقل الجيل عن الجيل عن الجيل أنَّ هذا كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
أو قول صاحب: يعني يقول مثلاً: وطلع علينا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اسمه كذا، فثبتت الصحبة لهذا الراوي بقول صحابي آخر.
وفيه أنَّ الصحابي يدعي ذلك: كأن يروي حديثًا وينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون سياق الحديث أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي إثبات الصحبة بهذه الطريقة خلافٌ بين أهل العلم، لأنه سيكون فيها نوع من الدور والتسلسل؛ لأن الصحبة لكي تثبت؛ فلا بد أن تثبت بخبر صحابيٍّ، وهو لا تثبت له الصحبة إلا بخبره هو، وهكذا ففيها دَور.
وقد استعان المؤلف في إثبات الصحبة بالإضافة إلى الطرق التي بيَّنها في الفصل الثاني من مقدمة كتابه بثلاثة آثار، وجعلها قواعد، فقال: ضابطٌ يُستفاد من معرفته صحبة جمع كثيرٍ يُكتفى فيهم بوصفٍ يتضمن أنهم صحابة، وهو مأخوذٌ من ثلاثة آثار؛
1- الأول: أخرج ابن أبي شيبة من طريقٍ لا بأس به قال: "كانوا لا يُؤمِّرون في الفتوح إلا الصحابة"؛ فمن تتبع الأخبار الواردة في الردة والفتوح، وجد من ذلك شيئًا كثيرًا، وهؤلاء من القسم الأول.
2- الثاني: أخرج الحاكم من حديث عبدالرحمن بن عوف قال: "كان لا يُولد لأحدٍ مولود إلا أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له"، وهذا يُؤخذ منه شيءٌ كثير أيضًا، وهؤلاء من القسم الثاني.
3- الثالث: وأخرج ابن عبدالبر من طريقٍ قال: "لم يبقَ بمكة والطائف أحدٌ في سنة عشرٍ إلا أسلم"، وشهِدَ حجة الوداع"
هذا وهم في نفس الأمر عددٌ لا يُحصون؛ لكن يُعرف الواحد منهم بوجود ما يقتضي أنه كان في ذلك الوقت موجودًا، فيُلحق بالقسم الأول أو الثاني؛ لحصول رؤيتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يَرَهم هو، والله أعلم.
أهمية الكتاب ومزاياه:
هذا الكتاب من أهم ما ألف في تراجم الصحابة، ولا يستغني عنه طالب علم أو باحث، وقد تميَّز بمزايا كثيرة قلَّ أن تجتمع في غيره، ومنها:
1. مكانة مؤلفه العلمية المرموقة، كما قد سبقت الإشارة إلى ذلك في الكلام عن أكثر من كتاب من كتب الحافظ.
2. مما يُؤكِّد أهمية هذا الكتاب: أهمية الموضوع الذي يتحدَّث عنه، فهو يشتمل على تراجم لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبحث عن أحوالهم، وتمييزهم من غيرهم، ومعرفة من ذُكِر معهم وليس منهم.
3. يُعتبر هذا الكتاب أجمع الكتب المؤلفة في أسماء الصحابة وأشملها وأوسعها؛ فقد حوى أكثر من اثني عشرة ألف ترجمة.
4. يُعتبر هذا الكتاب من أهم الكتب المؤلفة في تراجم الصحابة وأكثرها انتشارًا وأكثرها تحريرًا وتدقيقًا، وقد اطلع مؤلفه على كتب من تقدمه في هذا النوع من التصنيف واستفاد منها، فهذَّبها ورتبها، وتجنب ما فيها من أوهام وزاد عليها زيادات رآها في بعض طرق الحديث أو المصنفات الأخرى، فجاء كتابًا حافلاً نافعًا ليس له نظير في بابه.
5. هذه المقدمة النفيسة التي قدَّم المؤلف بها للكتاب، وما ذكر فيها من فصول مهمة يحتاج إليها من أراد معرفة الصحابة، وما ذكر في ذلك من ضوابط لمعرفة الصحابة.
6. من أهم ميزات الكتاب أنَّ الحافظ ابن حجر يستدرك على من قبله، ويُبيِّن إذا كان ذكرهم للرجل في الصحابة صواب أو خطأ، ومثال ذلك في ترجمة (حنش بن المعتمر)
7. أنَّ المؤلف قد بذل في هذا الكتاب جهدًا كبيرًا، وقد مكث في تصنيفه أربعين سنة، فقد قال في آخر الكتاب: انتهت كتابتي مع ما في الهوامش في ثالث ذي الحجة عام سبعة وأربعين وكان الابتداء في جمعه في سنة تسع وثمانمائة، فقارب الأربعين، لكن كانت الكتابة فيه بالتراخي، وكتبته في المسودات ثلاث مرات من أجل الترتيب الذي اخترعته وهذه المرة الثالثة، وقد خرجت النسخة مسودة أيضا لكثرة الإلحاق، ولم يحصل اليأس من إلحاق أسماءٍ أخرى، والله المستعان. "الإصابة" (6/728)، فهي مدة طويلة جدًا، ولذلك فإن هذا الكتاب صار خلاصة آراء وأحكام الحافظ ابن حجر فيما يتعلق بالصحابة، كما أنَّ المؤلف قد وقف على أناسٍ وُصفوا بالصحبة في غير المظان المعروفة.
8. يمكن أن يُقال: إن هذا الكتاب يُمثِّل خلاصة ما كتبه العلماء والأئمة في معرفة الصحابة قبل الحافظ ابن حجر، فالمُطالع لهذا الكتاب يظهر له أنَّ المؤلف قد اطلع على كتب من قبله، ومحَّصها وأخذ منها وترك بحسب ما رآه مناسبًا.
9. احتوى هذا الكتاب على قدرٍ كبيرٍ من الأحاديث، مع بيان طرقها والحكم عليها، مما يزيد في قيمة الكتاب العلمية.
10. أنَّ هذا الكتاب قد حفِظَ لنا نقولاً كثيرة من مصادر صارت تُعتبر في عداد المفقود، مثل: "معرفة الصحابة" لابن السكن، وكتاب "الصحابة" للعقيلي، و"الصحابة" لمُطيّن، ولابن شاهين، وغيرهم.
11. ثناء العلماء عليه؛ فقال السخاوي في "فتح المغيث" (3/93): انتدب شيخنا لجمع ما تفرق من ذلك وانتصب لدفع المغلق منه على السالك مع تحقيق غوامض, وتوفيق بين ما هو بحسب الظاهر كالمتناقض, وزيادات جمة, وتتمات مهمة, في كتاب سماه "الإصابة" جعل كل حرف منه غالبا على أربعة أقسام, الأول: فيمن وردت روايته أو ذكره من طريق صحيحة أو حسنة أو ضعيفة أو منقطعة, الثاني: من له رؤية فقط, الثالث: من أدرك الجاهلية والإسلام ولم يرد في خبر أنه اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم, الرابع: من ذكر في كتب مصنفي الصحابة أو مخرجي المسانيد غلطا مع بيان ذلك وتحقيقه مما لم يسبق إلى غالبه, وهذا القسم هو المقصود بالذات منه, وقد وقع التنبيه فيه على عجائب يستغرب وقوع مثلها, ومات قبل عمل المبهمات وأرجو عملها. ا هـ
عناية العلماء والباحثين بالكتاب:
اعتنى بهذا الكتاب عددٌ كبير من العلماء والباحثين، ومما وقفتُ عليه في ذلك:
1. اعتناء العلماء بالحصول على نسخ من الكتاب، ولا أدلَّ على ذلك من كثرة نسخه الخطية، ومن شاء التحقق فلينظر في أي فهرسٍ من فهارس المخطوطات الجامعة، كفهرس آل البيت، ومركز الملك فيصل.
2. اختصره السيوطي، وقد ذكر ذلك هو في "تدريب الراوي" (2/208) فقال: .. "الإصابة في تمييز الصحابة" كتاب حافل، وقد اختصرته ولله الحمد. ونسبه له الكتاني في "الرسالة المستطرفة" (ص 204) وقال: وسماه: "عين الإصابة في معرفة الصحابة".
3. "اختصار الإصابة في الصحابة" لأبي الحسن عليّ بن أحمد الفاسي الحُريشي المتوفى سنة (1145هـ), ذكره القادري في "التقاط الدرر" (ص359), والكتاني في "فهرس الفهارس والأثبات" (1/343)
4. واختصره أيضًا: أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عبدالله الجزولي الحضيكي، المتوفى سنة (1189هـ) ذكره الكتاني في "فهرس الفهارس والأثبات" (1/351)
5. واختصره إلى حرف العين: أبو عبدالله محمد المعروف بالصغير ابن عبدالرحمن بن عبدالقادر الفاسي، المتوفى سنة (1134هـ) ذكره الكتاني في "فهرس الفهارس والأثبات" (2/602)
6. واختصره الشيخ أحمد بن محمد بن عبدالهادي اليمني المعروف (بابن قاطن) المتوفى سنة (1199هـ), نسبه له الشوكاني في "البدر الطالع"، وذكره الزركلي في "الأعلام" (1/244)
7. واختصره الشيخ عبدالرحمن بن إدريس العراقي الفاسي المتوفى سنة (1234 هـ), قال الكتاني: له تأليف في الصحابة على استقلاله اختصر فيه "الإصابة", ولم يكمله, وصل فيه إلى حرف العين، وهو عندي بخطه. "فهرس الفهارس" (2/825)
8. قدَّم الدكتور شاكر محمود عبدالمنعم بحثًا بعنوان: "ابن حجر ودراسة مصنفاته ومنهجه وموارده في كتابة الإصابة", وطبع في مؤسسة الرسالة سنة (1417 هـ) في مجلدين.
9. قُدِّم الكتاب للتحقيق في مجموع رسائل علمية (دكتوراه وماجستير) في جامعة أم القرى- الدعوة وأصول الدين- الكتاب والسنة، بعنوان: تحقيق وتعليق وتخريج الآثار وأعلام الصحابة الواردة فيها، وشارك فيها الباحثون: عبدالرحمن بن عمري الصاعدي (ماجستير)، وعبدالله أحمد عرالي (ماجستير)، ومحمد نعيم علم خان (ماجستير)، وحنان علي محمد اليماني (ماجستير)، ويوسف عبدالله الباحوث (ماجستير)، وعبدالهادي علي الزهراني (ماجستير)، وعائشة عوض المشعبي (دكتوراه).، وزكريا صالح عبده قائد (ماجستير)، ونزيهة عبداللطيف المغلوث (ماجستير)، وأحمد عون أحمد الزرقي (ماجستير)، وفريدة محمد أحمد الغامدي (ماجستير).
طبعات الكتاب:
طبع الكتاب باعتناء المولوي محمد وجيه, وغلام قادر, والمولوي عبدالحي, والمستشرق سبرنغر في المكتبة الهندية- كلكتة سنة (1848م) إلى (1887م)
ثم طبع وبهامشه "الاستيعاب" لابن عبدالبر في مطبعة السعادة- مصر، سنة (1323هـ) في (4) مجلدات, وصورت هذه الطبعة في دار إحياء الكتاب العربي- بيروت.
وطبع في المطبعة الشرقية- مصر، سنة ( 1327هـ)، وصوَّرته دار الكتب العلمية.
مطبعة مصطفى محمد بمصر سنة (1358هـ)
بتحقيق: طه محمد الزيني، مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة، الطبعة: الأولى سنة (1369هـ).
وطبع بتحقيق: محمد علي البجاوي، دار الجيل- بيروت، الطبعة الأولى (1412هـ)، وصوَّرته دار المعرفة. (وهذه الطبعة هي المعتمدة في إحالات هذا البحث)
وطبع في دار الكتب العلمية في (9) مجلدات بتحقيق: عادل عبدالموجود وعلي معوض، الطبعة الأولى، (1415هـ)
وطُبع أخيرًا في مركز هجر للبحوث والدراسات الإسلامية، بإشراف: د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي، سنة 1429 هـ، وخرج في (16) مجلد، وهذه الطبعة هي أحسن طبعات الكتاب - فيما أعلم -..
والله عز وجل أعلى وأعلم وأحكم..
* المصدر: الجمعية السعودية للسنة وعلومها.
طباعة
ارسال