ترجمة موجزة للعلامة مغلطاي:
اسمه ونسبه ونسبته وكنيته:
هو العلامة الإمام علاء الدين أبو عبدالله مُغْلطاي - بضم الميم وإسكان
الغين وفتح اللام - ابن قُلَيج - بضم القاف بجيم آخره مصغَّرًا - ابن
عبدالله البكجري- بفتح الموحدة وسكون الكاف وفتح الجيم- الحنفي.
ولادته:
قال الحافظ ابن حجر: ولد بعد التسعين وستمائة كذا ضبطه الصفدي، وكان مغلطاي يذكر أنَّ مولده سنة (689 ه). "الدرر الكامنة" (6/114)
نشأته العلمية وأشهر شيوخه:
وُلِد الحافظ علاء الدين مغلطاي بالقاهرة ونشأ بها، وسمع من عددٍ من مشايخ
عصره، قال الحافظ ابن حجر: وسمع من التاج أحمد بن علي بن دقيق العيد أخي
الشيخ تقي الدين، والحسين بن عمر الكردي والواني، والختني، والدبوسي، وأحمد
بن الشجاع الهاشمي، ومحمد بن محمد بن عيسى الطباخ. "الدرر الكامنة"
(6/114)
وتخرَّج بابن سيد الناس اليعمري. ورحل إلى دمشق، فسمع بها على شيوخ العصر،
وبرع في الحديث والأانساب. وولي التدريس بعدة مدارس بمصر منها المدرسة
الظاهرية (29)، وليها بعد شيخه ابن سيد الناس.
أشهر تلامذته:
تخرَّ بالعلامة مغلطاي أئمة وعلماء فضلاء، من أبرزهم:
الحافظ أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي المعروف بابن الملقن
(804 ه(، والعلامة الفقيه سراج الدين عمر بن رسلان الكناني الشافعي
المعروف بالبلقيني (805 هـ)، والإمام الحافظ زين الدين عبدالرحيم بن حسين
بن عبدالرحمن المعروف بالعراقي (806 ه)، وإسماعيل بن إبراهيم بن محمد أبو
محمد الحنفي الكناني (803 ه)، وعبدالله بن مغلطاي بن قليج ابن المصنف (791
هـ).
مؤلفاته:
صرف المؤلف رحمه الله جلَّ عنايته لدراسة مؤلفات من سبقه من الأئمة ونقدها،
وأولع بالرد والاستدراك عليها، ساعده على ذلك كونه كثير المطالعة والكتابة
والدأب وعنده كتبٌ كثيرة جدًا كما قال الصفدي. "الدرر الكامنة" (6/115)،
فقد ذيَّل على "إكمال الإكمال" للحافظ ابن نقطة البغدادي (ت 629هـ)،
و"تكملة إكمال الإكمال" لأبي حامد ابن الصابوني (ت 680هـ)، و"الذيل" على
كتاب ابن نقطة الذي ألفه منصور بن سليم الإسكندراني (ت 673 هـ)، كما ذيَّل
على كتاب "الضعفاء" لابن الجوزي (ت 597 هـ)، ووضع شيئًا على "الروض الأنف"
للسهيلي (ت 581 هـ)، وقال ابن رافع: جمع السيرة النبوية، وولي مشيخة
الظاهرية للمحدثين وقبة الركنية بيبرس، وغير ذلك، وقال الشهاب ابن رجب: عدة
تصانيفه نحو المائة أو أزيد، وله مآخذ على أهل اللغة، وعلى كثير من
المحدثين.. وله ذيل على "تهذيب الكمال" يكون في قدر الأصل، واختصره مقتصرًا
على الاعتراضات على المزي في نحو مجلدين ثم في مجلد لطيف، وغالب ذلك لا
يرد على المزي. قال: وكان عارفًا بالأنساب معرفة جيدة، وأما غيرها من
متعلقات الحديث فله بها خبرة متوسطة، وله شرح البخاري، وقطعة من أبي داود،
وقطعة من ابن ماجه .. ورتَّب المبهمات على أبواب الفقه.. وكذا رتَّب "بيان
الوهم" لابن القطان، وأضافها إلى الأحكام وسماه "منارة الإسلام" وصنف
"زوائد ابن حبان على الصحيحين" وذيَّل على ابن نقطة ومن بعده في المشتبه،
وتصانيفه كثيرة جدًا. "الدرر الكامنة" (6/115- 116)
وفاته:
توفي رحمه الله في 24 شعبان سنة (762 هـ). "الدرر الكامنة" (6/116)
2- دراسة مختصرة عن كتاب "إكمال تهذيب الكمال"
اسم الكتاب:
اسم الكتاب كما هو موجود على طرة النسخة الخطية التي بخط المؤلف: "إكمال
تهذيب الكمال "، كما سيأتي في كلام الحافظ ابن حجر، وهذا الاسم هو الاسم
الذي اشتهر به الكتاب عند أهل العلم، وقد طبع الكتاب بهذا الاسم.
توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف:
مما يؤكد ثبوت نسبة هذا الكتاب إلى المؤلف ما يلي:
1. وجود نسخة للكتاب بخط المؤلف؛ وهي النسخة الأزهرية، كما بيَّن الحافظ
ابن حجر حيث قال: .. وإنما حدا بي على عمل "تهذيب التهذيب" أنَّ العلامة
شيخ الشيوخ علاء الدين مغلطاي وضع عليه كتابًا سماه "إكمال تهذيب الكمال"
تتبَّع فيه ما فاته من رواة الشخص الذي ترجم له ومن شيوخه، ومن الكلام فيه
من مدحٍ وقدحٍ، وما ظهر له مما يرد على المزي من تعقب، وجاء كتابًا كبيرًا
يقرب حجمه من حجم التهذيب، وقفتُ عليه بخطه، وفيه له أوهام كثيرة، وقد
اختصره هو في قدر نصف حجمه، ثم اقتصر منه على التعقبات في مجلد واحد.
"تعجيل المنفعة" (1/242)
2. أن المؤلف قد ذكر هذا الكتاب وعزا إليه في كتابه "الإنابة إلى معرفة
المختلف فيهم من الصحابة" فقال فيه (1/168): "ورددنا هذا القول في كتابنا
"إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال" بما لخَّصناه هنا".
3. أن العلماء الذي صنفوا في تراجم الرواة ممن جاء بعد الحافظ مغلطاي قد
اعتمدوا على هذا الكتاب واستفادوا منه ونقلوا عنه، كالحافظ ابن حجر في
"تهذيب التهذيب"، و"تعجيل المنفعة"، وغيره.
4. قد نسب هذا الكتاب للمؤلف جلُّ من ترجم له أو تكلَّم عن مؤلفاته؛
كالحافظ ابن رجب، كما في "الدرر الكامنة" لابن حجر (5/123)، والسبكي في
"طبقات الشافعية" (10/408)، والحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" و"تعجيل
المنفعة"، والشوكاني في "البدر الطالع" (2/313)، وغيرهم.
5. نسبه له أصحاب كتب الفهارس والأثبات، كحاجي خليفة في "كشف الظنون". (2/1510)، وغيره.
لمحة عن الكتاب وموضوعه:
موضوع كتاب "إكمال تهذيب الكمال" كموضوع الكتاب الأصل "تهذيب الكمال": هو
تراجم رواة الحديث وحملة الآثار وبيان حالهم جرحً وتعديلاً، مع تركيز
المؤلف على جانب الاستدراك على الحافظ المزي وتعقُّبه فيما رأى أنه أخطأ
فيه. وقد أطال المؤلف النفس في هذا الكتاب، فجاء في حجم كتاب المزي تقريبًا
في أربعة عشر مجلدًا.
وقد يتوهم البعض أنَّ المزي لم يكمل كتابه، فجاء مغلطاي وأكمله في هذا
الكتاب، ومما يُسبِّب هذا التوهُّم اسم الكتاب "إكمال تهذيب الكمال".
وبعد أن انتهى مغلطاي من استدراكه هذا اختصره في مجلدين مقتصرًا فيه على
المواضع التي ظنَّ أن الحافظ المزي غلط فيها، قال ابن حجر: واختصره مقتصرًا
على الاعتراضات على المزي في نحو مجلدين. وقال ابن فهد المكي: وكتاب ذيَّل
به على "تهذيب الكمال" للمزي وفيه فوائد، غير أن فيه تعصبًا كثيرًا، في
أربعة عشر مجلدا ثم اختصره في مجلدين مقتصرًا فيه على المواضع التي زعم
أنَّ الحافظ المزي غلط فيها، وأكثر ما غلَّطه فيه لا يرد عليه، وفي بعضه
كان الغلط منه هو فيها. "لحظ الألحاظ" (139)، وسمى السيوطي هذا المختصر
"أوهام التهذيب". "ذيل طبقات الحفاظ" (366).
وقد ذكر ابن حجر وابن فهد أنه اختصر المختصر في مجلد لطيف. "الدرر" (5/123)، و"لحظ الألحاظ" (139)
وقد حمل التاج السبكي بعضًا مما ظنه الحافظ مغلطاي وهمًا من المزي من
القاهرة إلى دمشق، وأعطاه لوالده ليتثبت منه، فقال: وهذه مواقف استدركها
بعض محدثي العصر بديار مصر، وهو الشيخ علاء الدين مغلطاي شيخ الحديث
بالمدرسة الظاهرية بالقاهرة، وانتقاها مما استدركه على كتاب "تهذيب الكمال"
لشيخنا المزي، وحضرت معي إلى دمشق لما جئت من القاهرة في سنة أربع وخمسين
وسبع مئة لأسأل عنها الشيخ الإمام الوالد، فأجاب عنها رحمه الله، وقد
كتبتها من خطه، قال رحمه الله: أسئلة وردت من الديار المصرية مع ولدي
عبدالوهاب في الثامن والعشرين من جمادى الأولى سنة أربع وخمسين وسبع مئة.."
"طبقات الشافعية" (10/408). ثم أورد التاج السبكي الأجوبة. "طبقات
الشافعية" (10/408، 430)، وكان قال قبل ذلك في ترجمة والده وهو يعدد
مصنفاته: أجوبة سؤالات أرسلت إليه من مصر، حديثية، أوردها بعض المشايخ على
كتاب "تهذيب الكمال" للحافظ المزي. "طبقات الشافعية" (10/314)
وذكر المؤلف زمن شروعه في هذا الكتاب، فقال: وكان مبدأ الشروع في كتب هذه
المسوَّدة قبل شهر الله رجب بقليل عام أربع وأربعين وسبع مائة، على حين
تقسم القلب، واضطراب من الحال، وأثر هذه الشواغل، وأقلّ هذه الدواعي ما
يدخل وينسي ما كان حفظ.
سبب تأليف الكتاب:
ذكر المؤلف سبب تأليفه لهذا الكتاب في المقدمة فقال: فإنه لما كان ممكنًا
أن يتبع الغابر، وربما ترك الأول فضل علمه للآخر، رأيتُ أن أذكر في هذا
الكتاب ما يصلح أن يكون إكمالاً ل "تهذيب الكمال" الذي ألفه شيخنا العلامة
الحافظ المتقن المتفنن جمال الدين المزي رحمه الله تعالى وغفر له، وأحلَّه
من الجنة خير منزلة، فإنه كتاب عظيم الفوائد، جمُّ الفرائد لم يصنف في
نوعه مثله.. لأنَّ مؤلفه أبدع فيما وضع، ونهج للناس منهجًا متسعًا لم يشرع،
فقد أخلَّ بمقاصد كثيرة لم يذكرن، وذكر أشياء لا حاجة للناظر إليها.. ثم
ذكر مآخذه على كتاب المزي، والأشياء التي رأى أن المزي قد أخل فيها على
النحو التالي:
1. ذكره أشياء لا حاجه إليها مثل الأسانيد التي يذكرها من باب العلو أو الموافقات أو نحو ذلك.
2. ذكره للترجمة النبوية وأخذه معظم ما ذكره فيها من كتاب أبي عمر بن
عبدالبر، وأنَّ من نظر في كتابي المصنف "الزهر الباسم في سيرة أبي
القاسم"، و"الإشارة إلى سيرة المصطفي صلى الله عليه وسلم" وجد زيادة كثيرة
عليه، فاستغنى المصنف بذكره هناك عن إعادته هنا.
3. إيراد بعض أخبار المترجمين مما لا ينفع في بيان أحوالهم في التوثيق
أو التجريح؛ كذكره لأخبار الملوك وأخبار الزهَّاد ومواعظهم وأحوالهم.
4. محاولة المزي استيعاب شيوخ صاحب الترجمة والرواة عنه، مع أن الإحاطة بذلك متعذرة لا سبيل إليها.
5. مسامحة المزي لصاحب "الكمال" في بعض المواضع التي لم يرد عليه فيها.
6. أنَّ المزي لم يُفرِّق بين ما سمعه الراوي من الشيخ وما لم يسمعه بل
يقول في ذلك كله: روى عن فلان وفلان، أو: روى عنه فلان وفلان. وأنَّ الصواب
هو التفريق، وعليه عمل المحققين من أهل العلم.
وقد ذكر الحافظ علاء الدين مغلطاي في المقدمة أنَّ استدراكه هذا لا ينقص من
قيمة كتاب المزي وأهميته، وقال: ومعتقدي أن لو كان الشيخ حيًّا لرحَّب
بهذا "الإكمال".
منهج المؤلف في الكتاب:
يمكن تلخيص منهج المؤلف في هذا الكتاب بما يأتي:
1. قدَّم لكتابه بمقدمةٍ ذكر فيه سبب تأليف الكتاب، وأثنى فيها على
كتابي "الكمال" للحافظ عبدالغني المقدسي، و"تهذيب الكمال" للمزي، وذكر
مآخذه على "تهذيب الكمال"
2. ترك المؤلف نقد مقدمة كتاب "تهذيب الكمال"، وابتدأ بالأسماء مباشرة.
3. أورد اسم المترجم كما ذكره المزي، ثم أورد تعليقاته على الترجمة،
وبيَّن شرطه وطريقته في ذلك فقال: وشرطي أن لا أذكر كلمة من كلام الشيخ إلا
اسم الرجل وبعض نسبه ثم آتي بلفظة "قال" أو ما في معناها من هناك، وثم
الزيادة إلى آخره، وإن كان في كلامه شيءٌ مما لا يعرى منه البشر ذكرتُ
لفظه، وقلت: فيه نظر، وبينته بالدلائل الموجزة الواضحة مبلغ علمي، بعزو كل
قولٍ إلى قائله؛ إن خيرًا فخير، وإن شرُا فشر..
4. أعاد تدقيق جميع النصوص التي أوردها المزي في كتابه، وتكلَّم على
أدنى اختلاف فيما نقله، وهو أمر ليس باليسير، فكأنه بذلك أعاد تحقيق مادة
الكتاب، وقد قال: فأخذ الشيء من مظانه أولى، وأحرى أن لا يحصل وهمٌ في
الشيء المنقول. وقال أيضًا: وإذا قلت: قال فلان، فإني لا أقوله إلا من
كتابه، فإن لم أرَ كتابه ذكرت الواسطة لأخرج من العهدة.
5. عني بإيراد المزيد من التوثيق والتجريح، ورجع إلى مصادر كثيرة جدًا،
وعني بذلك عناية فائقة أبانت عن علمه ومعرفته بالكتب، لكن النتيجة لم تكن
لتخرج في الأغلب عما ذكر المزي من حال المترجم له سوى زيادة التوثيق أو
التجريح.
6. عني بضبط كثير من الأسماء والأنساب، وأورد ما يوافق المؤلف وما يخالفه في هذا الباب، معتمدًا في ذلك عددًا كبيرًا من المصادر.
7. استدرك على المؤلف بعض ما فاته من المترجمين، وأكثر ما استدرك عليه
في "التمييز" وهي الأسماء التي تتفق مع أسماء المترجم لهم في هذا الكتاب
ومن أهل عصرهم.
8. لم يذكر في كتابه أيّ شيءٍ مما ذكره المزي بالإسناد، بل عدَّ ذلك من عيوب كتاب المزي ومن المآخذ عليه.
9. لم يحرص المؤلف على استيعاب شيوخ المترجم أو تلامذته كما فعل المزي،
فقال: وأن لا أستوعب شيوخ الرجل وزيادة على ما ذكره الشيخ، ولا الرواة إلا
قليلا بحسب النشاط وعدمه، لئلا يعتقد معتقد أن الشيخ رحمه الله تعالى
استوفى في جميع ذلك، ويعلم أن الإحاطة متعذرة ولا سبيل إليها.
10. قام بالتنبيه على الرواة الذين أخرج لهم غير أصحاب الكتب الستة؛
كابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وابن الجارود، والطوسي، والدارمي، وأبي
عوانة.
11. حرص المصنف في تراجم الصحابة على ذكر كل من أخرج له من أصحاب الكتب
كالإمام أحمد في مسنده، والطبراني في معاجمه، خاصة إذا نفى المزي الصحبة،
أو زعم أن فيها خلافًا ظنًا منه أن هذا مما يفيد إثبات الصحبة ويرفع
الخلاف.
12. حرص المؤلف على الاستدراك والتعقيب والنقد للإمام المزي، وهذا يظهر بشكلٍ جلي لمن قرأ في الكتاب.
13. ناقش المؤلف الإمام المزي في بعض الأشياء التي استدركها المزي على
الحافظ عبدالغني المقدسي، فقال: ثم إن الشيخ شاحح صاحب "الكمال" في أشياء
حدانا ذلك على مشاححته في بعض الأحايين، مثاله: قول صاحب "الكمال": مولى
المطلب، قال المزي: هذا خطأ، إنما هو مولى بني المطلب، وكقوله: قال أبو
حاتم عن يحيى نفسه، قال المزي: هذا خطأ، إنما أبو حاتم ذكره عن إسحاق بن
منصور عن يحيى.. إلى غير ذلك مما يكثر تعداده، ويمكن أن يكون من الناسخ أو
طغيان القلم. ا هـ
مقارنة بين كتاب "إكمال تهذيب الكمال" وكتاب "تهذيب الكمال":
من وجوه المقارنة بين كتاب المزي وكتاب مغلطاي ما يلي:
1. أنَّ الحافظ مغلطاي زاد تراجم رواة لم يذكرهم المزي وهم على شرط كتابه (أخرج لهم أصحاب الكتب الستة أو بعضهم).
2. زاد مغلطاي على المزي نقولاً كثيرة في الجرح والتعديل، أو ما قيل في نسب الراوي أو كنيته ونحو ذلك.
3. ذكر مغلطاي من وثَّق الراوي توثيقًا ضمنيًّا كمن أخرج له ممن اشترط الصحة في كتابه.
4. لم يكرر ما قاله المزي إلا لفائدة؛ كبيان مصدر تلك المعلومة التي قالها المزي أو الزيادة عليها أو تصويبها.
5. استدرك مغلطاي على المزي بعض الأمور التي رأى أنَّ المزي قد وهِم فيها.
6. أنَّ مغلطاي قد قام بتصويب وإكمال كثير من النصوص التي نقلها المزي بالمعنى أو أخذها بالواسطة.
7. يبقى لكتاب المزي مزية استيعاب الشيوخ والتلاميذ - بحسب الإمكان – ولهذا فائدة كبيرة كما لا يخفى.
8. ويبقى كتاب المزي هو الأصل الذي عوَّل الناس عليه، وهو من أهم الكتب المؤلفة في هذا الفن، كما بيَّنا ذلك في غير هذا الموضع.
9. إن أغلب المادة التاريخية التي أوردها مغلطاي هي مادة إضافية وليست
أصلية، بل إنَّ المزي كان عارفًا بأكثرها، ولكنه لم يوردها من أجل أن لا
يطول كتابه. وقد أشار المزي في مقدمة كتابه على من يريد زيادة الاطلاع
ضرورة مراجعة "طبقات ابن سعد"، و"تاريخ ابن أبي خيثمة"، و"الثقات" لابن
حبان، و"تاريخ مصر" لابن يونس، و"تاريخ نيسابور" للحاكم، و"تاريخ أصبهان"
لأبي نعيم، باعتبارها أمهات الكتب المصنفة في هذا الفن. وقد نقل مغلطاي من
هذه الكتب وأمثالها كثيرًا مما استدرك به على المزي، لذلك قال الحافظ ابن
رجب: وغالب ذلك لا يرد على المزي. "الدرر الكامنة" لابن حجر (5/123). ومع
ذلك فإنَّ إضافته من هذه الكتب ومن عشرات غيرها نقلت إلينا ثروة تاريخية
كادت أن تضيع.
أهمية الكتاب ومزاياه:
امتاز كتاب مغلطاي بمزايا كثيرة من أهمها:
1. مكانة المؤلف العلمية وسعة اطلاعه، وكثرة نقوله في هذا الكتاب، وهذا
أمر يزيد في أهمية الكتاب ويزيد من قوة مادته العلمية، وقد قال المؤلف في
ترجمة الحسين بن علي رضي الله عنهما: ولو أردنا استيعاب أخباره وقصة مقتله
لأربينا على ما كتبه ابن عساكر فضلاً عما لخَّصه المزي من كتابه ولم يعده؛
فإنَّ عندنا بحمد الله من أخباره المفردة التي لم ينقل منها ابن عساكر
شيئًا "مقتل الحسين" لابن أعثم، ولهشام بن محمد السائب في سفرين كبيرين،
ومن الجزاء الصغار عدة أجزاء.
2. أنَّ هذا الكتاب قد حفظ لنا مادة علمية غزيرة يعزُّ وجودها في كتابٍ
غيره؛ كأقوال بعض أئمة الجرح والتعديل الذين فُقِدت كتبهم أو فُقدت الكتب
التي تنقل كلامهم، ومن أمثلة ذلك: كتاب "الصلة" لابن القاسم، و"تسمية رجال
الشيخين" للحبال، و"الثقات" لابن خلفون، و"الوفيات" لابن قانع، و"تاريخ
نيسابور" وغيرها.
3. احتوى الكتاب على نقولات كثيرة عن كبار أئمة الجرح والتعديل.
4. موضوع الكتاب: فهو يحتوي على استدراكات وتعقُّبات على كتاب "تهذيب الكمال" الذي صار عمدة العلماء والباحثين.
5. ثناء العلماء على هذا الكتاب واستفادتهم منه، كالحافظ ابن حجر الذي
قال: وقد انتفعت في هذا الكتاب المختصر بالكتاب الذي جمعه الإمام العلامة
علاء الدين مغلطاي على "تهذيب الكمال". "تهذيب التهذيب" (1/8).
بعض المآخذ على المؤلف في هذا الكتاب:
أخذ على المؤلف في هذا الكتاب بعض المآخذ، وهي على النحو التالي:
1. تشنيعه على شيخه المزي الذي نهل من علمه وتخرج به، ولم يكتفِ بذلك بل
رماه بالجهل كما في ترجمة ثابت بن أبي صفية، حيث قال: وزعم المزي أنَّ ابن
ماجه لم يُخرج حديثه فعبَّر عن جهله. "إكمال تهذيب الكمال" (3/72) ووصفه
بأنه لم يكن يعرف الاستفادة من بعض الكتب كما في ترجمة زيد بن وهب الجهني،
فقال: قال ابن سعد: توفي في ولاية الحجاج بعد الجماجم. كذا ذكره المزي، ولو
ادعى مُدَّعٍ أنه ما رأى كتاب "الطبقات" حالة تصنيفه كتابه لكان مصيبًا،
ولقد سمعتُ بعض من يدعي العلم يقول: كتبتُ الطبقات بخطي، وقابلته سمعته
(كذا في المطبوع)، وأعجزني إخراج شيءٍ منه. والدليل على صحة ما أقوله وأن
المزي إنما نقله من كتاب "الكمال"، وصاحب "الكمال" إنما نقله من كتاب ابن
عساكر، وابن عساكر إلا نقل وفاته في الجملة.. "إكمال تهذيب الكمال"
(5/172)، وكذا اتهامه إياه بحب التقليد، وأنه يركن إلى الراحة، كما في
ترجمة (صالح بن عامر)، وغيره، إلى غير ذلك من التطاولات على شيخه. ولقد أضر
مغلطاي بنفسه بكلامه في شيخه، مما دفع الكتبة من أهل العلم إلى غمزه
والطعن عليه، وصرفهم عن الاستفادة من علمه فالله يسامحه ويعفو عنه.
2. يؤخذ على المصنف اعتماده في إثبات الصحبة على كثير من المتأخرين؛
أمثال أبي نعيم، وابن منده، والبغوي، وغيرهم، وهؤلاء إنما غالب عملهم جمع
كل من ذكر بنوع صحبة بغض النظر عن سلامة الأسانيد، أو من له إدراك، كما نبه
عليه الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (1/139- 342).
3. كثرة أوهام المصنف في النقل، وعدم تحرير ما ينقل، ومن أمثلة ذلك: في
ترجمة الحارث بن شبيل، وحجر بن حجر الكلاعي، والحارث بن حسان، وإسماعيل بن
أبي كريمة.
4. كثرة مجازفاته ومسارعته إلى نفي ما يحكيه المزي عن أهل العلم وهو في
هذا مخطئ. ومن الأمثلة على ذلك: في ترجمة (بكير بن أبي السميط العجلي).
"إكمال تهذيب الكمال" (3/27)، وترجمة (ثابت بن عجلان)، و(صخر بن جويرية)،
وغيرهم.
5. تتبعه للنسخ السقيمة، مما دفع الحافظ ابن حجر للإنكار عليه وتوبيخه.
مثال ذلك: ترجمة (عتبة بن تميم)، و(عرفجة بن أسعد)، وغيرهما.
6. أنه شنَّع على المزي عند حكاية أقوال أهل العلم بنزول (بواسطة) وقد وقع في ذلك هو، كما في ترجمة (صالح بن عمر الواسطي)
قلت: وقد اعتذر المؤلف في المقدمة عن الانتقادات التي قد توجَّه إليه فقال:
مع علمي أنه لابد أن يقع هذا الكتاب في يد أحد رجلين، إما عالم يعلم مقدار
تعبي وكيفية نصبي، لأنني أتتبع كل لفظة يذكرها الشيخ من أصلها، ثم أذكر
الزيادة عليها بحسب ما يتفق، ولعله يكون في أكثر التراجم من التوثيق
والتجريح، وشبههما قدر ما في كتاب الشيخ مرات متعددة، وذلك يظهر بالمقابلة
بين الكلامين مع دراية وإنصاف .. وإما جاهل حسود أحب الأشياء إليه، وأملكها
لديه عيب أهل العلم، والتسرُّع إلى أهل الفهم، لبعد شكله عن أشكالهم.
ولذلك قيل: من جهل شيئًا عاداه، ومن حسد امرءًا اغتابه.
طبعات الكتاب:
طبع الكتاب بتحقيق: عادل بن محمد، وأسامة بن إبراهيم، ونشرته دار الفاروق
الحديثة للطباعة والنشر، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1422 ه
وحُقِّق الكتاب في رسائل علمية في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، لكنه لم يُنشر بعد.
طباعة
ارسال