معنى القيم : هي المعتقدات والأخلاق والتفضيلات والآراء السياسية والمشاعر، الخاصة بشخص أو مجموعة من الأشخاص. فهناك إذن قيم معنوية وقيم مادية . وقد شرحت معاجمنا العربية القيم المادية، دون المعنوية .
مواقف رجال الاقتصاد من القيم والأخلاق: موقفان: 1- الاقتصاد محايد لا علاقة له بالأحكام القيمية، 2- الاقتصاد له علاقة بالقيم، وهي إما معلنة مصرح بها، أو مستترة ضمنية . هناك اقتصاديون لم يتعرضوا للموضوع، واقتصاديون ربطوا بين الاقتصاد والأخلاق، واقتصاديون جعلوا الأخلاق فوق الاقتصاد، واقتصاديون جعلوا للأخلاق موضعاً من الاقتصاد : اقتصاد وضعي أو تقريري Positive Economics واقتصاد قيمي أو معياري أو تقديري Normative Economics، واقتصاديون فصلوا الاقتصاد عن الأخلاق، وسعوا إلى أن يجعلوا من الاقتصاد علمًا موضوعيًا، قريباً من العلوم الطبيعية، وحذروا الاقتصادي من الحكم بما يحب ويهوى .
هل علم الاقتصاد علم غير أخلاقي ؟ بعض الاقتصاديين لا يبالون أن يكون الاقتصاد أخلاقياً أو غير أخلاقي، فإذا كان هناك طلب مليء على المخدرات فإن المنتجين ينتجونها . لكن هذا لا يعني أن كل ما في الاقتصاد يصير غير أخلاقي لأن المحرمات محصورة.
هل دخول الأخلاق في الاقتصاد يخرجه من نطاق العلم ؟ هم يرون أن الأخلاق والأديان مما يختلف فيه الناس، في حين أنهم لا يختلفون في العلم، لأن نتائجه قابلة للإثبات أو الرفض .
هل الاقتصاد علم ؟ أم ليس علمًا ؟ تعريف العلم بأنه مما لا يختلف عليه اثنان، له ما يؤيده في الإسلام، من أقوال الفقهاء، كالجويني وغيره، إذ يعتبرون العلم خلاف الظن، والمعلوم خلاف المظنون، ومصداق هذا التمييز في القرآن أيضًا: (وما لهم به من علم، إن يتبعون إلا الظن) سورة النجم 28، وغيرها من الآيات . ونحن المسلمين نتفق مع الغربيين في أن العلم من شأنه القطع، ولكننا نختلف معهم في مصدر هذا القطع، فهم يقصرونه على التجربة والعقل، ونحن نضيف : النص والنقل .
تمت مناقشة ما جاء في كتاب القرضاوي : "دور القيم والأخلاق في الاقتصاد الإسلامي"، ص23: الاقتصاد أمل لعلم، وليس علمًا. وكتاب الصدر: "اقتصادنا"، ص330: الاقتصاد الإسلامي ليس علمًا .
أدخل الدكتور محمد صقر التعظيم Maximization في نطاق القيم، ونقل عن هيلبرونر قوله : "من ذا الذي يدعي أن معدلاً أعلى للنمو أفضل من معدل أدنى منه، إذا كان الأول يؤدي إلى مزيد من تلوث البيئة" ؟ ، وهذا خطأ صوابه أن معدلاً أعلى هو أفضل، إذا استوت الشروط الأخرى، ومنها معدل التلوث .
أسباب رفض القيم : السعي إلى جعل الاقتصاد علمًا موضوعيًا، بعيدًا عن القيم الشخصية أو الذاتية .
أسباب إظهار القيم : الرغبة في التمييز الواضح بين العلوم والقيم ، من حيث خضوع الأولى إلى مناهج صارمة . وفي الاقتصاد الإسلامي: الرغبة في إثباته، كالرأسمالي، والاشتراكي.
أسباب إخفاء القيم : الرغبة في استبعاد المسائل الخلافية التي حصل اليأس من حلها، أو التي قد تجر إلى كشف المساوئ. وكذلك مسايرة الاتجاه السائد في أن الاقتصاد علم، مع عدم التضحية بالقيم. ولعل الغربيين يرون من العيب ذكر ديانتهم أو قيمهم، في التحليل العلمي .
لماذا يتجه الاقتصاديون الغربيون إلى إخفاء قيمهم، ويتجه الاقتصاديون المسلمون إلى إظهار قيمهم؟ إن كثيراً من الكتابات في الاقتصاد الإسلامي تنطلق من الكتابات الغربية، ثم تحشر بعض الآيات أو الأحاديث أو النصوص، ويحس قارئها بأنه يقرأ شيئًا غريبًا، وربما يتمنى لو تنزع منها ما زرع فيها من قيم إسلامية ، دخلت من الثقوب .
إذا أخفينا القيم، وجعلناها ضمنية، غير مصرح بها، هل يبقى شيء اسمه الاقتصاد الإسلامي ؟ إذا ما أعدنا نزع القيم منها، قد لا يبقى شيء . ربما يحسن أن يكون هناك تيار آخر في التأليف، يتم فيه إخفاء القيم، ولعله يكون أكثر رصانة وصرامة، والله أعلم.
بقلم: د. رفيق يونس المصري
طباعة
ارسال