1) وصَّى علي بن أبي طالب ابنه الحسن رضي الله عنهما فقال: (يا بُنَيَّ، احفظْ عنّي أربعاً وأربعاً: أَغْنَى الغِنَى العَقلُ، وأكبرُ الفقرِ الحُمقُ، وأوحشُ الوحشةِ العُجْبُ، وأكرمُ النّسبِ حُسْنُ الخُلُقِ).. قال الحسن رضي الله عنه: فما الأربع الأخرى؟ قالَ عليٌّ رضي الله عنه: (إيَّاكَ ومُصَادقةَ الكذَّابِ، فإنَّه كالسّرابِ، يُقرِّبُ عليكَ البعيدَ، ويُبعد عنك القريبَ، وإيَّاكَ ومُصَادقةَ الأحمقِ، فإنَّه يريدُ أنْ ينفعكَ فيَضرَّكَ، وإيَّاكَ ومُصَادقةَ البخيلِ، فإنّه يقعدُ عنكَ أحوجَ ما تكونُ إليهِ، وإيَّاكَ ومُصَادقةَ الفاجرِ، فإنَّه يبيعُكَ بالتَّافِهِ).
2) قال بعض الحكماء: (يا بنيَّ، عليكَ بالترحيبِ والبِشْرِ، وإيَّاكَ والتَّقْطيبَ والكِبْرَ، فإنَّ الأحرارَ أَحبُّ إليهم أنْ يُلْقَوا بما يُحبُّون ويُحرَمُوا، مِن أنْ يُلْقَوا بما يَكْرَهُون ويُعْطَوا، فانظر إلى خَصلةٍ غَطَّت على مُثُلِ اللؤمِ فالزَمْها، وانظرْ إلى خَصلةٍ عَفَتْ على مُثُلِ الكَرَمِ فاجْتَنِبْهَا).
3) قال لُقمانُ لابنه: (لا تركنْ إلى الدنيا، ولا تَشْغَل قلبك بها، فإِنك لم تُخْلَق لها، وما خَلَق الله خَلْقاً أهون عليه منها، فإنه لم يجعل نعيمَها ثواباً للمُطيعين، ولا بلاءَها عُقوبة للعاصين.. يا بني، لا تَضْحك من غير عُجْب، ولا تَمْش في غير أرب، ولا تسأل عما لا يَعْنيك.. يا بني، لا تُضَيِّع مالَك وتُصلِحْ مالَ غيرك، فإنّ مالَك ما قدَّمت، ومالَ غيرك ما تركت.. يا بني، إنه من يَرْحم يُرْحَم، ومن يَصْمُت يَسْلم، ومن يَقُل الخير يَغْنَم، ومَنْ يقُل الباطل يأثَم، ومن لا يملك لِسانَه ينْدم.. يا بني، زاحم العلماء برُكْبتَيْك، وأنصت إليهم بأًذنَيك، فإِنّ القلب يَحيا بنُور العُلماء كما تحيا الأرض المَيتة بمطر السماء).
4) قال جعفرُ الصَّادقُ يعظُ ابنهُ مُوسَى الكاظم: (يا بُنَيَّ، إنَّه مَن قَنَعَ بِما قَسمَ الله تعالى له استغنى، ومَن مَدَّ عَيْنيهِ إلى مَا في يَدِ غَيرهِ مَاتَ فَقِيراً، ومَن لم يَرْضَ بما قَسَمَ الله تعالى له اتهمَ اللهَ تعالى في قَضَائِهِ، ومَن اسْتَصْغَر زَلَّةَ نَفْسهِ استعظمَ زَلَّةَ غَيرهِ، ومَن استصغَرَ زَلَّةَ غَيرِه استعظمَ زَلَّةَ نَفْسِهِ).
5) قالوا في أدب المجالسة: (إذا جَلَسْتَ فأقبلْ على جُلَسَائِكَ بالبشرِ والطلاقةِ، وليكنْ مَجْلُسكَ هَادئاً، وحَدِيثُكَ مرتّباً، واحفظْ لِسَانكَ مِنَ الخَطَأِ، وهَذِّب ألفاظَك، واجتنبِ الغيبةَ والكذبَ، واتركِ العبثَ بأصَابعك وأنفك، وإيَّاكَ والتثاؤبَ والتشاؤمَ.. فمن حَسُنَتْ آدابُ مُجَالَستهِ ثَبُتَتْ في القُلُوب مَحَبَّتُه ووَجَبَتْ مَوَدَّتُهُ، وحَسُنَتْ عِشْرَتُهُ، وكَمُلَتْ مُرُوءَتُهُ).
6) قال الحكماء: (لَا تَحْزَنْ على ما فَاتكَ، ولَا تَحْمِلْ هَمَّ ما لم يَنْزِلْ بِكَ، ولَا تطلبِ الجزاءَ على ما لم تَعْمَلْ، ولَا تَلُمِ الناسَ على ما فِيْكَ مِثْلُهُ، ولَا تَغْضَبْ على مَن لم يَضُرَّهُ غَضبُكَ، ولا تَمْدَحْ مَن لم يَعْلَمْ مِنْ نَفْسهِ خِلافَ ذلك، ولا تَنْظُر بِشَهوةٍ إلى مَا لا تَمْلِكُ).
7) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (عَليكَ بإخوانِ الصَّدقِ فَعِشْ في أَكْنَافِهِم، فإنَّهُم زِيْنَةٌ في الرَّخَاءِ، وعِدَّةٌ في البَلاءِ، وَضَعْ أمْرَ أَخْيكَ على أَحْسَنِه حَتّى يَجِيئَكَ ما يُقْلِيكَ منهُ، واعْتَزِلْ عَدُوَّكَ، واحْذَرْ صَدِيقكَ إلّا الأمِينَ، ولا أَمِينَ إلّا مَن يَخْشَى اللهَ، ولَا تَصْحَبِ الفَاجِرَ فَتَتَعَلَّمَ مِن فُجُورهِ، ولا تُطْلِعْهُ على سِرِّكَ، واسْتَشِرْ في أَمْرِكَ الذين يَخْشَونَ اللهَ تعالى).
8) وَصَّىٰ عَبْدُ الله بْنُ الْأَهْتَمِ ابْنَهُ فَقَالَ: (يَا بُنَيَّ، لَا تَطْلُبِ الْحَوَائِجَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، وَلَا تَطْلُبْهَا فِي غَيْرِ حِينِهَا، وَلَا تَطْلُبْ مَا لَسْتَ لَهُ مُسْتَحِقًّا فَإِنَّك إنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ كُنْتَ حَقِيقًا بِالْحِرْمَانِ).
9) قال ابن أبي الدنيا في أدب العلم: (جَهْلُ الصَّغِيرِ مَعْذُورٌ، وَعِلْمُهُ مَحْقُورٌ، فَأَمَّا الْكَبِيرُ فَالْجَهْلُ بِهِ أَقْبَحُ، وَنَقْصُهُ عَلَيْهِ أَفْضَحُ ؛ لِأَنَّ عُلُوَّ السِّنِّ إذَا لَمْ يُكْسِبْهُ فَضْلًا وَلَمْ يُفِدْهُ عِلْمًا وَكَانَتْ أَيَّامُهُ فِي الْجَهْلِ مَاضِيَةً، وَمِنْ الْفَضْلِ خَالِيَةً، كَانَ الصَّغِيرُ أَفْضَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الرَّجَاءَ لَهُ أَكْثَرُ، وَالْأَمَلَ فِيهِ أَظْهَرُ، وَحَسْبُك نَقْصًا فِي رَجُلٍ يَكُونُ الصَّغِيرُ الْمُسَاوِي لَهُ فِي الْجَهْلِ أَفْضَلَ مِنْهُ).
10) قَالَ بِشْرُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ فِي وَصِيَّتِهِ فِي الْبَلَاغَةِ: (إذَا لَمْ تَجِدِ اللَّفْظَةَ وَاقِعَةً مَوْقِعَهَا، وَلَا صَائِرَةً إلَى مُسْتَقَرِّهَا، وَلَا حَالَّةً فِي مَرْكَزِهَا، بَلْ وَجَدْتهَا قَلِقَةً فِي مَكَانِهَا، نَافِرَةً عَنْ مَوْضِعِهَا، فَلَا تُكْرِهْهَا عَلَى الْقَرَارِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، فَإِنَّك إنْ لَمْ تَتَعَاطَ قَرِيضَ الشِّعْرِ الْمَوْزُونِ، وَلَمْ تَتَكَلَّفِ اخْتِيَارَ الْكَلَامِ الْمَنْثُورِ، لَمْ يَعِبْك بِتَرْكِ ذَلِكَ أَحَدٌ).
11) قال علقمة العطاردي رحمه الله تعالى في وصيته لابنه لما حضرته الوفاة: (يا بني إذا أردت صُحْبَةَ إنسانٍ فَاصْحَبْ مَنْ إذا خَدَمْتَهُ صَانَكَ، وإنْ صَحِبْتَهُ زَانَكَ، وإنْ قَعَدَتْ بِكَ مَؤُونةٌ مَانَكَ، اصْحَبْ مَن إذا مَدَدْتَ يَدَكَ بِخَيرٍ مَدَّهَا، وإنْ رَأى مِنْكَ حَسَنةً عَدَّهَا، وإنْ رَأى مِنْكَ سَيِّئَةً سَدَّهَا، اصْحَبْ مَن إذا قُلْتَ صَدَّقَ قَولَكَ، وإنْ تَنَازَعْتُما في شَرٍّ آثَرَكَ).
12) قال عبدُ الله بن عبّاس رضي الله عنهما: (ما انْتَفَعْتُ بِكَلام أَحَدٍ بعدَ رَسُولِ الله صلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلّم ما انْتَفَعْتُ بكَلامٍ كَتَبَه إليّ عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه، كَتب إليّ: أمّا بعد، فَإِنَّ المَرْءَ يَسُرُّهُ إدْرَاكُ مَا لمْ يَكُن لِيَفُوتَهُ، وَيَسُوْءُه فَوْتُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيُدْرِكَهُ، فَلْيَكُنْ سُرُورُكَ بِما نِلْتَ مِن أَمْرِ آخِرِتِكَ، ولْيَكُنْ أَسَفُكَ عَلَى مَا فَاتَكَ مِنْهَا. ومَا نِلْتَ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكَ فَلا تَكُن بِه فَرِحاً، ومَا فَاتَكَ مِنْهَا فَلا تَأْسَ عَلَيهِ جَزَعَاً، وَلْيُكْن هَمُّكَ مَا بَعْدَ المَوْتِ).
13) قال أبو بكر الصدِّيق لعُمَر بن الخطّاب رضي الله عنهما عند مَوته حين استخلَفه: (أُوصيك بتقوى الله، إن لله عملاً بالليل لا يَقْبَلُه بالنهار، وعملاً بالنهار لا يَقْبَله بالليل، وإنه لا يقبل نافلة حتى تُؤَدَّى الفرائض، وإنما ثَقُلَتْ موِازين مَن ثقُلت موازينهم يومَ القيامة باتباعهم الحقّ وثِقَلِه عليهم، وحُقَّ لميزانٍ لا يُوضعُ فيه إلا الحقُّ أن يكون ثقيلاً، وإنما خَفّت موازينُ من خَفّت موازينهم يومَ القيامة باتباعهم الباطل في الدُّنيا وخِفّته عليهم، وحُقَّ لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفاً، وإن الله ذَكَر أهلَ الجنَّة فَذكَرهم بأحسن أعمالهم، وتجاوَزَ عن سيئاتهم؛ فإذا سمعتَ بهم قُلْت: إني أخاف أن لا أكون من هؤلاء؛ وذكرَ أهل النار بأقبح أعمالهم، وأمسك عن حَسَناتهم، فإذا سمعتَ بهم قلتَ: أنا خيرٌ من هؤلاء، وذكر آية الرّحمة مع آية العذاب ليكونَ العبدُ راغباً راهباً لا يتمنى على الله غيرَ الحق. فإذا حفظت وصيَّتي فلا يكن غائبٌ أحبَّ إليك من الموت، وهو آتيك؟ وإن ضيّعْت وصيَّتي فلا يكن غائبٌ أكرَه إليك من الموت، ولن تُعْجزَه).
14) كتب عمرُ بن عبد العزيز إلى الحسن: (اجمع لي أَمْر الدنيا وصِفْ لي أَمرَ الآخرة. فكتب إليه: إنما الدُّنيا حُلْمٌ والآخرة يَقَظَة والموت متوسِّط؛ ونحن في أضغاث أحْلام، من حاسَبَ نَفْسَه ربح، ومن غَفلَ عنها خَسِر، ومن نَظر في العواقِب نَجَا، ومن أطاعَ هواه ضَلَّ، ومن حَلُم غَنِم، ومن خافَ سَلِمَ، ومن اعتبر أَبْصَرَ، ومن أبصرَ فَهِمَ، ومن فَهِمَ عَلِمَ، ومن عَلِم عَمِلَ، فإذا زَلَلْتَ فارْجِعِ، وإذا نَدِمْتَ فأَقْلِع، وإذا جَهِلْت فاسأل، وإذا غَضِبْتَ فأمْسِك، واْعلم أن أفضل الأعمال ما أُكْرِهَتِ النفوس عليه).
15) خطب عمر بن عبدالعزيز خطبةً لم يخطُبْ بعدها غيرَها حتّى مات رحمه اللهَ، فحمِد الله وأثنى عليه وصلى على نبيّه ثم قال: (أيُّها النَّاس، إنّكم لم تُخلَقوا عبثاً ولم تُتَركوا سُدًى، وإنّ لكم مَعاداً يحكم اللهُ بينكم فيه، فخابَ وخَسِرَ من خرج من رحمة الله التي وسعَتْ كلَّ شيء، وحُرِم الجنَّةَ التي عَرضُها السّموات والأرض، واعلموا أنّ الأمان غداً لمن خاف اللهَ اليوم، وباع قليلاً بكثير، وفائتاً بباق، ألا تُرَون أنّكم في أسلاب الهالكين، وسيخلِّفها مِن بَعدكم الباقون كذلك، حتى تُرَدُّوا إلى خير الوارثين، ثم أنتم في كلِّ يوم تُشَيِّعونَ غادياً ورائحاً إلى الله، قد قَضَى نحبَه وبلَغ أجلَه، ثم تغيِّبونه في صَدْعٍ من الأرض، ثم تَدَعونه غير مُوَسَّد ولا مُمَهَّد، قد خَلَع الأسبابَ، وفارَق الأحباب، وباشَرَ التراب، وواجَه الحِساب، غَنيّاً عما تَرك، فقيراً إلى ما قدّم، وايمُ الله إنِّي لأقول لكم هذه المقالةَ، وما أعلَمُ عند أحدٍ منكم من الذُّنوب أكثَرَ مما عندي، فأستغفر الله لي ولكم، وما تبلغُنا حاجةٌ يتّسع لها ماعندنا إلاّ سدَدناها، وما أحدٌ منكم إلاّ ودِدْت أنّ يده مع يدي، ولُحْمَتي الذين يلونني، حتى يستويَ عيشُنا وعيشكم، وايمُ اللهَ إنِّي لو أردت غير هذا من عيشٍ أو غَضَارة، لكان اللسان مني ناطقاً ذَلُولاً، عالماً بأسبابه، لكنه مضى من الله كتاب ناطق، وسُنّة عادِلَة، دَلَّ فيهَا على طاعته، ونهى فيها عن معصيته، ثم بكى رحمه اللهَ، فتلقَّى دموعَ عينيه بطرَف ردائِه، ثم نزل، فلم يُرَ على تلك الأعواد حتّى قبضه اللهَ إلى رحمته).
طباعة
ارسال