لما انتشر الإسلام، واتسعت البلاد، وشاع الابتداع، وتفرقت الصحابة في الأقطار، ومات كثير منهم، وقلّ الضبط، دعت الحاجة إلى تدوين الحديث وتقيده بالكتابة.
ولعمري إنها الأصل، فإن الخاطر يغفلْ، والقلم يحفظ، فلما أن أفضت الخلافة إلى الإمام العادل عمر بن عبد العزيز كتب على رأس المائة إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عامله وقاضيه على المدينة: انظر ما كان من حديث رسول الله- صلى الله عيه وسلم- فاكتبه فإني خفت دُرُوْسَ العلم، وذهاب العلماء، وأوصاه أن يكتب له ما عند عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية (توفيت سنة 98هـ) والقاسم بن محمد بن أبي بكر (120هـ).
وكذلك كتب إلى عماله في أمهات المدن الإسلامية بجمع الحديث. وممّن كتب إليه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزُّهري المدني أحد الأئمة الأعلام، وعالم أهل الحجاز والشام (124هـ)ثم شاع التدوين في الطبقة التي تلي طبقة الزُّهري، فكان أول من جمعه ابن جُرَيْج (150هـ) بالمدينة، والرَّبيع بن صبيح (160هـ) أو سعيد بن أبي عَرُوبة (156هـ) أو حماد بن سلمة (176هـ) بالبصرة، وسفيان الثوري (161هـ) بالكوفة، والأوزاعي (156هـ) بالشام، وهُشيْم (188هـ) بواسط، ومَعْمَر (153هـ) باليمن، وجرير بن عبد الحميد (188هـ) بالرَّي، وابن المبارك (181هـ) بخراسان، وكل هؤلاء من أهل القرن الثاني، وكان جمعهم للحديث مختلطاً بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين.
كتاب تاريخ فنون الحديث: الشيخ محمد عبدالعزيز الخولي.
طباعة
ارسال