هذا الدور يمكن أن يعرف بأنه دور التآليف الجامعة وظهور فن علوم الحديث مدونًا ، ففي هذه الفترة أكب العلماء على تصانيف السابقين التي كانت تجربة أولى في التدوين ، فجمعوا ما تفرق في مؤلفات الفن الواحد ، واستدركوا ما فات السابقين ، معتمدين في كل ذلك على نقل المعلومات عن العلماء بالسند إليهم كما فعل سابقوهم ، ثم التعليق عليها والاستنباط منها.
فوجدت كتب في علوم الحديث لا تزال مراجع لا يغني عنها غيرها ، ومن أهمها :
1. المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ، ألفه القاضي أبو محمد الرامهرمزي الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد المتوفى سنة (360 ) .
وهو أكبر كتاب وضع في علوم الحديث حتى ذلك العصر ، استوفى فيه مؤلفه البحث في آداب الراوي والمحدث ، وطرق التحمل والأداء ، واجتهاد المحدثين في حمل العلم ، وما يتعلق بهذا الفن من الأمور ، فهو في الحقيقة من كتب علوم الحديث بمعناه الإضافي لا باعتبار كونه اسمًا ولقبًا للعلم الخاص المعروف .
2. الكفاية في علم الرواية ، للخطيب البغدادي أبي بكر أحمد بن علي المتوفى سنة (463هـ) ، وقد استوفى فيه البحث في قوانين الرواية ، وأبان فيه عن أصولها وقواعدها الكلية ، ومذاهب العلماء فيما اختلفت آراؤهم فيه ، ولا يزال حتى يومنا أعظم كتاب في هذا الباب .
3. الإلماع في أصول الرواية والسماع ، للقاضي عياض بن موسى اليحصبي المتوفى (سنة 544هـ ) وهو كتاب مفيد جدًا .
فهذه المراجع وسواها مما صنف في ذلك العصر في كل نوع من أنواع علوم الحديث أصبحت المراجع الأصلية في هذه الفنون ، بنى عليها اللاحقون بأن حذفوا أسانيدها وتلافوا أوهامًا يسيرة فيها ، واستدركوا زيادات أضافوها إليها .
وفي هذا الدور وضعت التآليف الجامعة لأنواع الحديث ، ونما التدوين في فن علوم الحديث ، ومن أهم ما صنف في ذلك :
1. معرفة علوم الحديث ، للحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري المتوفى سنة ( 405هـ ) ، بحث فيه اثنين وخمسين نوعًا من علوم الحديث ، وقد طبع في مصر سنة 1937م .
2. المستخرج ، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني المتوفى سنة (430هـ ) ، زاد فيه على الحاكم أشياء فاتته ، ولذلك سماه مستخرجًا ، ومع ذلك فقد تركا أشياء للمتعقب .
3. ما لا يسع المحدث جهله ، للميانجي أبي حفص عمر بن عبد المجيد المتوفى سنة (580هـ ) وهي رسالة مختصرة .
وكان أبرز الأعلام الذين شيدوا بنيان علوم الحديث في هذا الدور واعتمد عليهم من جاء بعدهم : الحاكم النيسابوري والخطيب البغدادي .
أما الحاكم فقد شق الطريق لمن بعده بوضع كتابه المذكور ، قال ابن خلدون : " ومن فحول علمائه - يعني علوم الحديث - وأئمتهم أبو عبد الله الحاكم وتآليفه فيه مشهورة ، وهو الذي هذبه وأظهر محاسنه " .
وأما الخطيب فإنه قد صنف في كل فن من فنون الحديث كتابًا مفردًا جامعًا مستوفيًا ، حتى أضحت كتبه ملاذ الأئمة في فنون الحديث ، كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة : " كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه " .
وكان طابع الجمع في هذه التآليف بارزًا ظاهرًا ، فقد عمد المصنفون إلى نقل أقوال أئمة الفن في كل مسألة بأسانيدهم ، ووضعوا لكل مجموعة منها عنوانًا يدل على مضمونها ، معتمدين على القارىء في فهمها وإدراك مراميها ، سوى شيء يسير من الإيضاح أو المناقشة ، إلا أن الحاكم قصد ضبط القواعد ، لكن فاته كما ذكر العلماء أمران :
- استيعاب أنواع الحديث
- وتهذيب العبارات وضبطها حتى يتضح المراد من التعريف .
* المرجع :
منهج النقد في علوم الحديث: د.نور الدين عتر/ بتصرف
موقع: الشبكة الإسلامية.
طباعة
ارسال