عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَتَمنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الموتَ لضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمنِّياً لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ أَحْيني مَا كَانَتْ الحيَاةُ خَيْراً لِي، وَتَوفَّنِي إِذَا كَانَتْ الوَفَاةُ خَيراً لِي». رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
فكن أخا الإسلام:
من المنتفعين بهذا التنبيه المحمدي الذي ينبغي عليك أن تفهم المراد منه حتى لا تفعل ما نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عنه وحتى لا يتمنى أحدنا الموت لضر نزل به.. (فقد) ورد في السنة- بالإضافة إلى النص الذي ندور حوله-
* (عن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يتمنى أحدكم الموت، ولا يَدْعُ به من قبل أن يأتيه. إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن من عمره إلا خيرا» أخرجه أحمد والشيخان والنسائي والبيهقي.
(ففي) هذا الحديث يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى حكمة النهى عن تمنى الموت، وهي أنه إذا مات أحدنا انقطع عمله.. وإنه لا يزيد مؤمن من عمره إلا خيرا.
* (ولهذا فإنه) من الخير لنا إن كان لا بد أن يتمنى أحدنا الموت لضر نزل به أن يقول: «اللهم أحييني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي»أخرجه السبة والبيهقي.
* (وعن) أم الفضل أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على العباس وهو يشتكي فتمنى الموت قال «يا عباس يا عم رسول الله. لا تتمنى الموت إن كنت محسنا تزداد إحساناً إلى إحسانك خير لك، وإن كنت مسيئا فإن تؤخر تَسْتَعْتِب خيراٌ لك فلا تتمنى الموت» أخرجه أحمد والطبراني والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين
* (وقد) قال في (الدين الخالص) ج7 ص116. وما بعدها مشيراً إلى الحكمة في هذه الأحاديث في النهي (عن تمني الموت): النهي في هذه الأحاديث عن تمني الموت والدعاء به، إنما هو بلاء أو محنة دنيوية (لما) في رواية ابن حبان: «ولا يتمنَّين أحدكم الموت لضرٍّ نزل به في الدنيا». (أمَّا) إن تمناه لضرٍّ أخروي كأن خشي فتنة في الدين (فهو) جائز. (فقد) قال معاذ بن جبل: قصَّ علينا النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا رأى فيها الله تعالى، قال له: «سل» فقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قومي فتوفني غير مفتون، وأسألك حبك وحب من يحبك وحبَّ عمل يقربني إلى حبك» أخرجه أحمد والطبراني والحاكم والترمذي وقال حسن صحيح.
* (وفي) الموطأ (عن) عمر رضي الله عنه أنه دعا. فقال: «اللهم كبرت سنِّي، وضعفت قوَّتي، وانتشرت رعَّيتي، فاقبضني إليك غير مضيِّع، ولا مفرِّط».
* (وقد) جاء في (فقه السنة) ج4 ص46، تحت عنوان:
فضل طول العمر مع حسن العمل:
* (عن) عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن رجلاً قال: يا رسول الله أيُّ الناس خير؟ قال: «مَنْ طال عمرُه وحَسُن عملُه». قال: فأي الناس شر؟ قال: «من طال عمره وساء عمله» رواه أحمد والترمذي؛ وقال حسن صحيح.
* (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا أنبئكم بخيركم؟» قالوا: نعم يا رسول الله، قال: «خياركم أطولكم أعماراً، وأحسنكم أعمالاً» رواه أحمد وغيره بسند حسن.
* (وعن) أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله» قيل: وكيف يستعمله؟ قال: «يوفقه لعمل صالح قبل الموت ثم يقبضه عليه» رواه أحمد والترمذي والحاكم وابن حبان..
* (وهذا) الحديث الأخير يشير إلى أن العمل الصالح قبل الموت دليل على حسن الخاتمة..
* (ولهذا) فإنني أريد بعد هذا التلخيص السريع لأهم ما يتعلق بهذا الحديث العظيم.. من إشارات وشبيهات: أن أذكِّر الأخ المسلم بضرورة أن ينتفع بحياته الأولى لصالح حياته الثانية.. (وذلك)لأن كل عمل صالح سيتقرب إلى الله تعالى به في هذه الحياة الأولى.. سيجده هناك ﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ [النبأ:40]. ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ34/80وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ35/80وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ36/80لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس:34- 37]. ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الانفطار:19]. ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين:6].
(وقد) ورد في رؤيا رآها النبي صلى الله عليه وسلم في منامه أن كل عمل من الأعمال الصالحة سيكون له عائد- بالخير- على الإنسان في حياته، وبعد مماته.. حتى في موقف الحشر:
* (فعن) عبد الرحمن بن سمرة- رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في صُفَّة بالمدينة، فقام علينا فقال: «إني رأيت البارحة عجباً:
1- رأيت رجلاً من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه برُّ بوالديه، فردَّ ملك الموت عنه.
2- ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الشياطين فجاءه ذكر الله فطَّيَّر الشياطينَ عنه.
3- ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب، فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم.
4- ورأيت رجلاً من أمتي يلهث عطشاً كلما دنا من حوض مُنع وطُرد، فجاءه صيام شهر رمضان فأسقاه وأرواه.
5- ورأيت رجلاً من أمتي والنبيون جلوس حلقاً حلقاً، كلما دنا منهم طُرد، فجاءه غسله من الجنابة فأخذه بيده وأجلسه إلى جنبي.
6- ورأيت رجلاً من أمتي من بين يديه ظلمة، ومن خلفه ظلمة، وعن يمينه ويساره ظلمة وهو متحير، فجاءه الحج والعمرة فأخرجاه من الظلمة وأدخلاه النور.
7- ورأيت رجلاً من أمتي يتقى وهَج النار وشررها، فجاءته صدقته فصارت سداً بينه وبين النار وظِلاً على رأسه.
8-ورأيت رجلاً من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه، فجاءته صلته لرحمه فقالت: يا معشر المؤمنين إنه كان وصولاً لرحمه، فكلَّموه وصافحوه.
9- ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الزبانية، فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فاستنقذه من أيديهم وأدخله في ملائكة الرحمة.
10- ورأيت رجلاً من أمتي جاثياً على ركبته وبينه وبين الله عز وجل حجاب، فجاءه حسن الخلق، فأخذ بيده وأدخله على الله عز وجل.
11- ورأيت رجلاً من أمتي قد ذهبت صحيفته من قبل شماله، فجاءه خوفه من الله عز وجل فأخذ صحيفته فوضعها في يمينه.
12- ورأيت رجلاً من أمتي قد خفَّ ميزانه أي من الحسنات فجاءه أفراطه- أي الذين ماتوا قبله من الأولاد وهم صغار- فثقَلوا ميزانه.
13- ورأيت رجلاً من أمتي قائماً على شفير جهنم، فجاءه رجاؤه في الله عز وجل فاستنقذه من ذلك ومضى.
14- ورأيت رجلاً من أمتي قد هوى في النار، فجاءته دمعته التي بكاها من خشية الله عز وجل فاستنفذته من ذلك.
15- ورأيت رجلاً من أمتي قائماً على الصراط يرعد كما ترعد السَّعفة- أي الخوصة- في يوم عاصف، فجاءه حسن ظنه بالله عز وجل فسكن.
16- ورأيت رجلاً من أمتي يزحف على الصراط يحبو أحياناً ويتعلق أحياناً، فجاءته صلاته عَلِيَّ فأقامته على قدميه وأنقذته.
17- ورأيت رجلاً من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة، فغلقت الأبوابُ دونه، فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله ففتحت له الأبواب وأدخلته الجنة.
* (وهكذا) كما رأينا أيها الأخ المسلم.. سيؤدي كل عمل من الأعمال الصالحة دوره لإنقاذنا وتحقيق الخير بالنسبة لنا في الدنيا والآخرة.. (وإلى) هذا يشير الله تعالى مؤكداً هذا في قوله: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:97].
* * وقال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:35].
* * (فاذكر) كل هذا أخا الإسلام، حتى تسارع إلى الله تعالى بفعل الخيرات وترك المنكرات.. قبل فوات الأوان.. وقبل أن تقول كما يحكي الله تعالى في القرآن على لسان- فلان من الناس- ظل غافلاً إلى أن جاءه الموت، فقال: ﴿ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ10/63وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المنافقون:10- 11].
* * (واحرص) على أن تكون من هؤلاء الفطناء المشار إليهم في قول الشاعر:
إن لله عبــادا فطنــا * طلقوا الدنيا وخافوا الفتنَا
نظـروا فيها فلما علموا * أنها ليست لحيٍّ وطنَا
جعلوها لُجَّةً واتخذوا * صالح الأعمال فيها سُفنَا
والله ولي التوفيق.
الوصايا النبوية: طه العفيفي.
طباعة
ارسال