يزعم بعض أهل
الأهواء من الشيعة الإمامية ومن سار في ركبهم أن من أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم من هو منافق، ومن هؤلاء المعاصرين مثلاً المدعو الدكتور حميد النجدي()
الذي قال: (إن النبي صرح في بعض أحاديثه بأن هناك من
الصحابة منافقين، وأنهم سوف يستمرون على هذا النفاق ولا يدخلون الجنة كما أخرج
مسلم في صحيحه في الحديث رقم 4983 في الجزء الثامن الصحفة (122) قال صلى الله عليه
وآله: «في أصحابي - يعني أن هناك أصحاباً هم – منافقون، في أصحابي اثناعشر منافقاً
-إذن اثنا عشر منافق من أصحابه صلى الله عليه وآله - منهم ثمانية لا يدخلون الجنة
حتى يلج الجمل في سَمِّ الخياط»، إذن المنافقون كانوا في عهد النبي صلى
الله عليه وسلم وهم من أصحاب النبي ، يعني بعض أصحاب النبي منافقون).()
ومورد
الشبهة هنا: كيف يكون الصحابة حجة في العقيدة وقد ثبت أن فيهم
المنافقين؟
* جواب
الشبهة الثانية:
أما الحديث فرواه مسلم في الصحيح عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: «في أصحابي اثنا عشر منافقاً فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج
الجمل في سم الخياط، ثمانية منهم تكفيكهم
الدُبيلة وأربعة». قال الراوي: (لم أحفظ ما قال شعبة فيهم).()
وأما
كون المنافقين موجودين زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا ثابت بالقرآن والسنة
وليس بمحلٍ للإشكال.
* وأما
كون المنافقين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يصح من وجوه عديدة:
×أولها: أن نص
الحديث المذكور أعلاه (في أصحابي) ولم يقل (من أصحابي)، والحرف (في) من الحروف
العوامل ومعناها الوعاء()،
وأما الحرف (مِن) فمن الحروف العوامل أيضاً ومن معانيها أن تكون للتبعيض()،
فقوله صلى الله عليه وسلم (في أصحابي) لا يعني أن المنافقين بعض أصحابه، وإنما
يعني الظرفية، أي اشتمل الموجودون من أصحابه على المنافقين المذكورين. وسيأتي مزيد
بيان على هذا المعنى اللغوي في جواب الشبهة الرابعة.
×ومنها: ما
قاله النووي رحمه الله: (أما قوله صلى الله عليه وسلم في أصحابي فمعناه الذين
يُنسبون إلى صحبتي كما قال في الرواية الثانية: «في أمتي»).()
×ومنها: أن لفظ
الصحبة في هذا الحديث وأمثاله لا يقصد بها الصحبة بالمعنى الاصطلاحي -كما تقدم في
جواب الشبهة الرابعة من الشبهات حول عدالة الصحابة – وإنما يراد بها الصحبة
بمعناها اللغوي أو مجرد الدعوى.
×ومنها: أن
المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا معروفين مكشوفين للنبي صلى الله
عليه وسلم كما صرح بذلك القرآن الكريم: ﴿وَلَوْ نَشَآء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ
وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾
[محمد: 30].
قال
الإمام الطبري رحمه الله: (فلتعرفنهم بعلامات النفاق الظاهرة منهم في فحوى كلامهم
وظاهر أفعالهم، ثم إن الله تعالى ذكره عرفه إياهم)()،وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا
تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ
صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّىٰ
يُؤْفَكُونَ﴾ [المنافقون: 4]، وغيرها من الآيات التي تُعرِّف
النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين بصفاتهم الظاهرة التي فضحهم الله تعالى بها في
عهده.
ولا
يُشكل على هذا كون النفاق من أمر الباطن لأن الله تعالى قد أطلع نبيه عليه الصلاة
والسلام على ذلك الباطن وليس ذلك لأحد بعده إلا أن يعلمه رسول الله صلى الله عليه
وسلم كما أعلم حذيفة رضي الله عنه.
والحاصل
أن مورد هذا الشبهة ضعيف لأن الحديث نص في أعيان المنافقين الذين أطلع الله تعالى
نبيه على نفاقهم، وأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة رضي الله عنه عنهم كي
تُطبق عليهم أحكامهم بعد مماته صلى الله عليه وسلم، ولقد تقدم في تعريف الصحبة
اصطلاحاً شرط الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم والموت على ذلك فيخرج بهذين
القيدين كل منافق كافر ومرتد مات على ذلك، والله أعلم.
طباعة
ارسال