عن أبي سعيد سعد بن سنان الخدري رضي الله عنه :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا ضرر ولا ضرار ) ، حديث حسن ، رواه ابن
ماجة و الدارقطني وغيرهما مسندا . ورواه مالك في الموطأ مرسلا : عن عمروا بن يحيى
، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم . فأسقط أبا سعيد . وله طرق يقوي بعضها
بعضا .
* الشرح:
امتازت قواعد الشريعة الإسلامية بشموليتها واتساع
معناها ، بحيث يستطيع المرء أن يعرف من خلالها الحكم الشرعي لكثير من المسائل التي
تندرج تحتها ، ومن جملة تلك القواعد العظيمة ، ما ورد من قول النبي صلى الله عليه
وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار ) ، فإن هذا الحديث على قصره يدخل في كثير من الأحكام
الشرعية ، ويبيّن السياج المحكم الذي بنته الشريعة لضمان مصالح الناس ، في العاجل
والآجل .
وإذا عدنا إلى لفظ الحديث ، فإننا نجد أنه قد نفى
الضرر أولا ، ثم نفى الضرار ثانيا ، وهذا يشعرنا بوجود فرق بين معنى الضرر ومعنى
الضرار ، وقد ذكر العلماء كلاما مطولا حول ذلك ، وأقرب تصوّر لمعنى الكلمتين : أن
نفي الضرر إنما قُصد به عدم وجود الضرر فيما شرعه الله لعباده من الأحكام ، وأما
نفي الضرار : فأُريد به نهي المؤمنين عن إحداث الضرر أو فعله .
ومن هنا ، فإن نفي الضرر يؤكد أن الدين الإسلامي
يرسّخ معاني الرحمة والتيسير ، وعدم تكليف الإنسان ما لا يطيق ، فلا يمكن أن تجد
في أحكامه أمراً بما فيه مضرّة ، أو نهياً عن شيء يحقق المصلحة الراجحة ، وإذا
نظرت إلى ما جاء تحريمه في القرآن الكريم أو في السنة النبوية فلابد أن تجد فيه
خبثا ومفسدة ، مصداقا لقوله تعالى : { ويحرّم عليهم الخبائث } ( الأعراف : 157 ) .
ومن ناحية أخرى فإن كل ما ورد في الكتاب والسنة
من أوامر ، فالأصل أنها مقدورة ، داخلة ضمن حدود الطاقة ، وإذا عرض للإنسان أحوال
تمنعه من إتمام الامتثال بالأمر الشرعي ، كأن يلمّ به مرض أو عجز أو نحوهما ، فهنا
يأتي التخفيف من الله تعالى ، كما في رخصة الإفطار في نهار رمضان ، ورخصة الجمع
والقصر في الصلاة ، وغير ذلك كثير.
على أن الضرر المنفي في الدين لا يتناول العقوبة
والقصاص ؛ لأن عقاب المجرم على جريمته هو السبيل الوحيد الذي يردع الناس عن
انتهاك حدود الله ، والاعتداء على حقوق الآخرين ، بل إننا نقول : إن هذه الحدود
التي شرعها الله عزوجل هي مقتضى العدل والحكمة ؛ إذ لا يُعقَل أن نغلّب جانب مصلحة
الفرد على حساب مصلحة المجتمع كله ، ولا يُعقل أن ننظر بعين العطف على الجاني ،
ونتناسى حق من جنى عليهم ، ولذلك يقول الله عزوجل : { ولكم في القصاص حياة يا أولي
الألباب لعلكم تتقون } ( البقرة : 179 ) .
ولم يقتصر الحديث على نفي الضرر في الشريعة ، بل
أتبعه بالنهي عن إضرار العباد بعضهم لبعض ، فالمكلف منهي عن كل فعل يترتب
عليه إضرار الآخرين ، سواء قصد صاحبه الإضرار أم لم يقصد .
وهذا أصل عظيم من أصول الدين ؛ فإن الفرد إذا
التزم بصيانة حقوق غيره وعدم الإضرار بها ، فإن من شأن ذلك أن تقل المنازعات بين
الناس ، فينشأ المجتمع على أساس من الاحترام المتبادل بين أفراده .
أما إذا تخلى الناس عن العمل بهذا المبدأ ، وصار
كل إنسان ينظر إلى مصلحته دون أي اعتبار للآخرين ، فهنا تحصل الكارثة ، وتشيع
الأنانية المدمرة ، وهذا ما جاء الإسلام بإزالته والقضاء عليه .
لقد حرّم الإسلام الضرار بكل صوره ، وجميع أشكاله
، حتى حرّم الإضرار بالآخرين منذ ولادتهم إلى حين وفاتهم ، بل وبعد موتهم ، فحرّم
إضرار الأم بولدها ، كما قال الله تعالى : { لا تضار والدة بولدها } ( البقرة :
233 ) ، وحرّم تغيير الوصية بعد سماعها ، وحرّم إضرار الموصي في وصيّته ، وحفظ
للأموات حقوقهم حتى حرّم سب الأموات ، فما أعظمها من شريعة ، وما أحسنه من دين .
* أهم المصادر والمراجع:
- الوافي في شرح الأربعين
النووية: د. مصطفى البغا / محي الدين مستو.
- صحيح الإمام مسلم: الإمام مسلم بن الحجاج القشيري.
- الرياض الندية في شرح الأربعين النووية: الإمام ابن دقيق العيد /
العثيمين / الإمام النووي.
- الجواهر اللؤلؤية في شرح الأربعين النووية: محمد عبدالله الجرداني.
- شرح الأربعين النووية: الإمام النووي.
طباعة
ارسال